رَضِيَ بِتِجَارَتِهِ وَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ سَوَاءٌ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ إلَى الْعَبْدِ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرِ لِنَفْسِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا إلَّا أَنَّهُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَنَا وَبَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا فِي تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَكَذَلِكَ إذْنُ الْقَاضِي لِعَبْدِهِ الْيَتِيمِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ التِّجَارَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا لِلْأَبِ ذَلِكَ وَلِلْوَصِيِّ، ثُمَّ إذْنُهُمَا فِي التِّجَارَةِ لِعَبْدِ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إذْنُ الْقَاضِي.
وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي لِلْعَبْدِ اتَّجِرْ فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً فَاتَّجَرَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ إذْنِ الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَالِغًا فَقَالَ لِعَبْدِهِ: اتَّجِرْ فِي الْبُرِّ خَاصَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ الْقَاضِي لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَفْعَهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي: اتَّجِرْ فِي الْبُرِّ خَاصَّةً وَلَا تَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَقَوْلُ الْقَاضِي ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْإِذْنِ بِنَوْعٍ كَانَ بَاطِلًا، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ أَوْ حَجْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِنْ دَفَعَ هَذَا الْعَبْدِ إلَى الْقَاضِي، وَقَدْ اتَّجَرَ فِي غَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَحِقَهُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنٌ فَأَبْطَلَهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَى قَضَاءَهُ وَأَبْطَلَ دَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْضَى فَصْلًا مُجْتَهِدًا فِيهِ بِقَضَائِهِ وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ هَلْ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهِدَاتِ نَافِذٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ أَمْرِهِ إيَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَّا فِي كَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي مَقْضِيًّا لَهُ وَمَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَمْرِ فَأَمَّا قَضَاؤُهُ بِإِبْطَالِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ فَقَضَاءٌ صَحِيحٌ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى سَفِيهٍ فَإِنَّ حَجْرَهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً مِنْهُ حَتَّى أَنَّ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُبْطِلَ حَجْرَهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ هَذَا السَّفِيهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَرَفَعَ تَصَرُّفَهُ إلَى الْقَاضِي فَأَبْطَلَهُ كَانَ هَذَا قَضَاءً صَحِيحًا مِنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُصَحِّحَ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْإِذْنِ لِلصَّبِيِّ الْحُرِّ وَالْمَعْتُوهِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي جِنْسٍ مِنْهَا وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute