يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَاتِ كُلِّهَا مِثْلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بَاطِلٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَعْتُوهًا حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَضَرَّةِ وَعِنْدَهُ هِيَ غَيْرُ صَالِحَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَ بِالتَّصَرُّفِ عَنْ الْغَيْرِ نَفَذَ تَصَرُّفَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] فَقَدْ شَرَطَ الْبُلُوغَ وَإِينَاسَ الرُّشْدِ لِجَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥]، وَالْمُرَادُ الصِّبْيَانُ، وَالْمَجَانِينَ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] فَالْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ كَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا تُبْنَى الْأَهْلِيَّةُ عَلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِكَلَامٍ مُلْزِمٍ شَرْعًا وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ بَقِيَ مُولًى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ صَارَ بِاعْتِبَارِ عَقْلِهِ أَهْلًا لِمُبَاشَرَتِهَا لَمْ يَبْقَ مُولًى عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُولًى عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِنَفْسِهِ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّصَرُّفِ آيَةُ الْقُدْرَةِ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ مَعَ النُّقْصَانِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الضَّرُورَةُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِوَلِيِّهِ فَجُعِلَ عَقْلُهُ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرًا؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَخِيرَتُهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِيمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِوَلِيِّهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ عَقْلِهِ فِيهِ وَلِأَنَّ مَا بِهِ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ يَزُلْ بِالْإِذْنِ فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الصِّبَا أَوْ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ لَا لِحَقِّ الْغَيْرِ فِي مَالِهِ إذْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ الْإِذْنِ قَائِمٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَلَوْ زَالَ سَبَبُ الْحَجْرِ بِإِذْنِ الْوَلِيّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَجْرَ هُنَاكَ لَحِقَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ وَبِالْإِذْنِ صَارَ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ فِي كَسْبِهِ وَبِخِلَافِ السَّفِيهِ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِمُكَابَرَةِ عَقْلِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِوَصْفٍ لَازِمٍ وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ إلَّا أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي إيَّاهُ دَلِيلُ زَوَالِهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦]، وَالِابْتِلَاءُ هُوَ الِامْتِحَانُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَصَلَاحُهُ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِدُونِ مُبَاشَرَتِهِمْ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ، ثُمَّ عَلَّقَ إلْزَامَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بِالْبُلُوغِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ زَوَالِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَبِهِ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَبْلُغْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٢] وَاسْمُ الْيَتِيمِ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ فَعَرَفْنَا أَنْ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ وَتَمْكِينَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute