للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ التَّصَرُّفَاتِ جَائِزٌ إذَا صَارَ عَاقِلًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: ٥] الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَوْ الْمُرَادُ النِّسَاءُ وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْفَعُ الْمَالَ لِزَوْجَتِهِ وَيَجْعَلُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَيْهَا وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَنَا.

«وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: وَقُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ أُمَّكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ» «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَبِيعُ لُعَبَ الصِّبْيَانِ فِي صِغَرِهِ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَتِكَ» فَقَدْ مَكَّنَ الصَّبِيَّ مِنْ التَّصَرُّفِ فَدَلَّ أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ لَهُ وَعَرَّفَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَالْعَبْدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الصِّغَرِ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ إذَا كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّصَرُّفِ بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا عَنْ تَمْيِيزٍ وَبَيَانٍ لَا عَنْ تَلْقِينٍ وَهَذَيَانٍ وَقَدْ صَارَ مُمَيَّزًا إلَّا أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْخِطَابُ؛ لِأَنَّ فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ إضْرَارًا بِهِ عَاجِلًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ جُعِلَ أَهْلًا لِلنَّوَافِلِ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَالصِّيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ رُبَّمَا لَا يُؤَدِّي لِلْحَرَجِ وَيَبْقَى فِي وَبَالِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُقَرَّبُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَيُبَعَّدُ مِنْ الْمَضَارِّ فَإِنَّ الصِّبَا سَبَبٌ لِلْمَرْحَمَةِ وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ بَايَنَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ بِالْبَيَانِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا لَهُ بِرَأْيِ الْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً وَهُوَ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فَأَمَّا مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَضَرَّةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ انْضِمَامُ رَأْيٍ إلَى رَأْيِهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ نَفَّذْنَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِذْنِ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَيَزُولُ هَذَا الْمَعْنَى بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ إذْنِ الْوَلِيِّ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ عِنْدَنَا.

وَهَذَا لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ حَالُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَاظِرًا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ بِمَا أَصَابَ مِنْ الْعَقْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ بِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ شَرْعًا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ حُسْنُ النَّظَرِ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ إذْنُ الْوَلِيِّ لَهُ دَلِيلُ كَمَالِ عَقْلِهِ أَوْ حُسْنِ نَظَرِهِ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ كَإِذْنِ الْقَاضِي لِلسَّفِيهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ حِينَ لَزِمَ التَّصَرُّفَ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ فَإِذَا اعْتَبَرْنَا عَقْلَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ اتَّسَعَ تَوْفِيرُ طَرِيقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ التَّصَرُّفِ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ أَنْ يَسُدَّ عَلَيْهِ أَخْذَ النَّاسِ وَيَجْعَلَ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ طَرِيقًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّ نَظَرَهُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ مُتَرَدِّدٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ ظَاهِرًا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَلِتَوَهُّمِ الْقُصُورِ فِيهِ يَبْقَى وِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالسَّفِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ مَا أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>