للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا لَا لِانْعِدَامِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُهَيِّجُ الْفِتْنَةَ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

[تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً]

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: ٢٢١]؛ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى» فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِلْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَتُعَزَّرُ الْمَرْأَةُ وَاَلَّذِي سَعَى فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَفِي حَقِّ الذِّمِّيِّ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى التَّطْهِيرِ وَالتَّوْقِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: ٩] فَلِهَذَا قَالَ: يُوجَعُ عُقُوبَةً، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِيمَا صَنَعَ، وَاسْتَخَفَّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَارْتَكَبَ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ فَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَذَا نَاقِضًا لِلْعَهْدِ حِينَ بَاشَرَ مَا ضَمِنَ فِي الْعَهْدِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَهُوَ نَظِيرُ الذِّمِّيِّ إذَا جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ بِارْتِكَابِ مِثْلِهِ لَا يَصِيرُ نَاقَضَا لِأَمَانِهِ فَالذِّمِّيُّ لَا يَصِيرُ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ فَلَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً، وَكَذَلِكَ يُعَذَّرُ الَّذِي سَعَى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ»، وَهُوَ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ بَاطِلًا فَبِالْإِسْلَامِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا

(قَالَ:) وَلَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَقِيَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ صَحِيحٌ بَعْدَ إسْلَامِ الرَّجُلِ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ، وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ ضَمِنَّا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي الْخِيَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ يَقْطَعُ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ، وَالتَّفْرِيقُ عِنْدَنَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ اخْتِلَافِ الدِّينِ؛ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ النِّكَاحُ مُتَأَكَّدٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِنَفْسِ اخْتِلَافِ الدِّينِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَثِّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>