للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْفُرْقَةِ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ.

وَقَاسَ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ دِهْقَانَةَ بَهْزِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُعْرَضَ الْإِسْلَامُ عَلَى زَوْجِهَا فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَأَبَتْ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ صَحِيحًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ، وَإِسْلَامُ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِثْبَاتِ الْعِصْمَةِ، وَتَأْكِيدِ الْمِلْكِ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُفْرُ مَنْ أَصَرَّ مِنْهُمَا عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ هَذَا، وَمَا كَانَ مَانِعًا لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا بَقَائِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الدِّينِ فَإِنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا، وَالْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْفُرْقَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ السَّبَبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكَافِرِ مِنْهُمَا لَا بِطَرِيقِ الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فِي أَنْ يُسَاعِدَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَبَى ذَلِكَ تَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَبَتْ الْإِسْلَامَ حَتَّى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِإِصْرَارِهَا عَلَى الْخُبْثِ، وَالْخَبِيثَةُ لَا تَصْلُحُ؛ لِلطَّيِّبِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي أَبَى الْإِسْلَامَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَكُونُ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ بِرِدَّةِ الْمَرْأَةِ تَكُونُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَرِدَّةُ الزَّوْجِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَكُونُ بِطَلَاقٍ.

وَحُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفَصْلَيْنِ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْفُرْقَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْإِبَاءُ وَالرِّدَّةُ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْفُرْقَةِ تَكُونُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالْفُرْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ فَكُلُّ سَبَبٍ لِلْفُرْقَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْ جِهَتِهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلطَّلَاقِ، وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفَصْلَيْنِ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَوْلٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ إمَّا إبَاءٌ أَوْ رِدَّةٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إيقَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>