وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحِرْزِ وَوُجُوبِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ هَتْكِ الْحِرْزِ وَأَخْذِ الْمَالِ ثُمَّ لَوْ سَرَقَ الْعَيْنَ الَّذِي أَجَّرَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يُقْطَعْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَجَّرَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لَهُ نَوْعُ تَأْوِيلٍ فِي الدُّخُولِ لِيَنْظُرَ هَلْ اسْتَرَمَّ شَيْءٌ مِنْهُ فَيُرَمُّ ذَلِكَ أَوْ هَلْ خَرَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا مِنْهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: سَرَقَ مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ حِرْزِ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَيَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَنْزِلَهُ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ مَتَاعَ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ لَيْسَ بِعِبَارَةٍ عَنْ عَيْنِ الْجِدَارِ، وَلَكِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحَفُّظِ بِهَا، وَذَلِكَ صَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ خَالِصًا لَا حَقَّ لِلْآجِرِ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي آجَرَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ الْمِلْكُ لِلسَّارِقِ فِي الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِ فِعْلِ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ، وَلَوْ حَدَثَ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ بِالسَّبَبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا سَرَقَ مَتَاعَ الْآجِرِ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَفِي بَعْضِ النَّوَادِرِ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنْزِلُ الْمُؤَاجَرُ حِرْزًا عَلَى حِدَةٍ وَالْمَنْزِلُ الَّذِي يَسْكُنُهُ الْمُؤَاجِرُ حِرْزًا عَلَى حِدَةٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي مَنْزِلِ الْمُؤَاجِرِ، وَلَا شُبْهَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَجَّرَ مَنْزِلًا مِنْهَا مِنْ إنْسَانٍ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ حِرْزٍ وَاحِدٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ عِنْدَهُمَا، وَلَكِنْ إذَا كَانَ التَّأْوِيلُ هَذَا، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَمَا لَوْ بَاعَ مَنْزِلًا مِنْهَا مِنْ إنْسَانٍ فَهَذَا فَصْلٌ مُشْتَبَهٌ، وَلَكِنَّ الْجَوَابَ الصَّحِيحَ فِيهِ مَا بَيَّنَّا
[مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ مِنْ الْأَعْيَانِ]
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَذَكَرَ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنَّاءِ وَالْوَسْمَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهِمَا فَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا فِي الرُّطَبِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ صَاحِبُهُ إحْرَازًا تَامًّا وَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا فِي الْيَابِسِ مِنْهُ فَهُوَ نَظِيرُ الثِّمَارِ لَا يُقْطَعُ فِي الرَّطْبِ وَيُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ مَا لَا يُقْطَعُ فِي رَطْبِهِ لَا يُقْطَعُ فِي يَابِسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ الْيُبْسِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْفَيْرُوزَجِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا مِنْ الْأَحْجَارِ، وَلَا قَطْعَ فِي الْحَجَرِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يُقْطَعُ فِي الْحَجَرِ لِمَعْنَى التَّفَاهَةِ وَمَا يَكُونُ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ يَرْغَب فِيهِ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لَا يَكُونُ تَافِهًا
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ فِي الزُّجَاجِ، أَمَّا جَوْهَرُ الزُّجَاجِ فَلِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute