دَرَاهِمَ لَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى يُرِيَهَا لِآخَرَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ الْحُكْمِيَّةَ لَا تَتِمُّ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَشَرْطُ الْقَطْعِ يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ بِالْحُجَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، فَلِهَذَا لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِ الْوَاحِدِ حَتَّى يَرَاهَا غَيْرُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَهَا أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ قَطَعَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، فَكَذَلِكَ شَرْطُهُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمَا فِي الْحُكْمِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ إلَّا أَنْ يَقُولَ آخَرُ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لِلْمُعَارِضَةِ تَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ
(قَالَ) فَإِنْ سَرَقَ دِينَارًا أَوْ مِثْقَالَ ذَهَبٍ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَغَيْرُ الْمَنْصُوصِ يُقَامُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَمْ يَتِمَّ شَرْطُ الْقَطْعِ، وَلَا يُقَالُ الدِّينَارُ كَانَ مُقَوَّمًا بِعَشَرَةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يُخْتَلَفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فِي قِلَّةِ الْوُجُودِ وَكَثْرَةِ الْوُجُودِ وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ شَرْعِيًّا لِيُصَارَ فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى مَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَالَ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا سَرَقَ، وَلَمْ يَعْرِفُوا اسْمَهُ قُطِعَ، وَلَمْ يَضُرَّهُمْ إنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ اسْمَهُ؛ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ بِهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنْ لَا يَعْرِفُوا اسْمَهُ
(قَالَ)، وَإِنْ قَالَ السَّارِقُ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَذِنَ لِي فِي دُخُولِي أَوْ قَالَ كُنْت ضَيْفًا عِنْدَهُ دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ فَبِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ تَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى مِلْكَ الْعَيْنِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ فَلَا يُسْتَحْسَنُ إقَامَةُ الْقَطْعِ مَعَهُ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ رَجُلٍ فِي مَقْصُورَةٍ وَبَابٌ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ دُونَ مَقْصُورَةِ صَاحِبِهِ فَنَقَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ فَسَرَقَ مِنْهُ قَالَ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا عَظِيمَةً فَيُقْطَعُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدَّارَ الْعَظِيمَةَ كَالْمَحَلَّةِ فَكُلُّ مَقْصُورَةٍ مِنْهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ، وَمَنْ يَسْكُنُ بَعْضَ الْمَقَاصِيرِ يَتِمُّ مِنْهُ فِعْلُ السَّرِقَةِ فِي مَقْصُورَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ دَارًا صَغِيرَةً فَبُيُوتُ هَذِهِ الدَّارِ كُلِّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ يُغْلِقُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا بَابٌ فَمَنْ يَسْكُنُ بَعْضَ هَذِهِ الْبُيُوتِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ شَرْعًا فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الدَّارِ الصَّغِيرَةِ لَوْ أَخَذَ مَعَ الْمَتَاعِ فِي صَحْنِ الدَّارِ لَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى السِّكَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَقْصُورَةٍ مِنْهَا إذَا أَخَذَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يُقْطَعُ
(قَالَ) وَإِذَا أَجَّرَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَهُوَ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ فَسَرَقَ الْمُؤَاجِرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَتَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قُطِعَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute