للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مُظَاهِرٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِالْقُرْبَانِ وُجُوبَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ عَنْ الظِّهَارِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا بِالْقُرْبَانِ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ اللِّعَانِ.]

اعْلَمْ بِأَنَّ مُوجِبَ قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ كَانَ هُوَ الْحَدُّ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ.» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاء: ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك وَإِلَّا فَحَدٌّ عَلَى ظَهْرِك»، وَقَالَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: الْآنَ يُجْلَدُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ الْقَذْفِ كَانَ هُوَ الْحَدُّ، ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ قَذْفِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ - اللِّعَانُ بِشَرَائِطَ نَذْكُرُهَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مُوجِبُهُ الْحَدُّ، وَلَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِاللِّعَانِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ اللِّعَانِ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَعِنْدَنَا يُحْبَسُ حَتَّى يُلَاعِنَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤].

ثُمَّ فِي آيَةِ اللِّعَانِ بَيَانُ الْمَخْرَجِ لِلزَّوْجِ بِأَنْ تُقَامَ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ مَقَامَ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ؛ لِأَنَّ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ، مُزَكَّاةٌ بِاللَّعْنِ، مُؤَكَّدَةٌ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُلَوِّثُ الْفِرَاشَ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا وَلِهَذَا قُلْت بِلِعَانِهِ يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهَا ثُمَّ تَتَمَكَّنُ هِيَ مِنْ إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهَا بِلِعَانِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِعَانُهَا مُعَارِضًا لِحُجَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ، مُزَكَّاةٌ بِالْتِزَامِ الْغَضَبِ، مُؤَيِّدَةٌ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ تَمْتَنِعُ مِنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: ٨] أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ الْوَاجِبُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ. (وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ جَمِيعَ مُوجِبِ قَذْفِ الزَّوْجَةِ، وَذَلِكَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ مُوجِبَ هَذَا الْقَذْفِ مَعَ اللِّعَانِ، وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَلِمَاتُ اللِّعَانِ قَذْفٌ أَيْضًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ مُسْقِطًا لِمُوجِبِ الْقَذْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>