وَقَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت» وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَإِنَّهَا تُجَاهِدُ بِمَالِهَا وَكَذَلِكَ بِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ لِمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَالْخُبْزِ وَذَلِكَ جِهَادٌ مِنْهَا.
[الْعَبْدُ إذَا أَمِنَ أَهْلَ الْحَرْبِ]
فَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا أَمِنَ أَهْلَ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَأَمَانُهُ صَحِيحٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدًا كَتَبَ عَلَى سَهْمٍ بِالْفَارِسِيَّةِ مترسيت وَرَمَى بِذَلِكَ إلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ أَمَانَهُ وَقَالَ: إنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْعَبْدُ كَانَ مُقَاتِلًا لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الْمُقَاتِلِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ مَوْلَاهُ فَهُمْ يَخَافُونَهُ فَعَقْدُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الْغَيْرِ وَقَوْلُ الْعَبْدِ فِي مِثْلِهِ صَحِيحٌ كَمَا فِي شَهَادَتِهِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَوَدِ وَلَا يُقَالُ قَرَابَتُهُ فِيهِمْ فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِيصَالِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَمَانُهُ كَالذِّمِّيِّ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ إيثَارُ الْقَرَابَةِ عَلَى الدِّينِ وَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَيْضًا وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِهِ فَأَمَّا الذِّمِّيُّ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ سَبَبُ وِلَايَةِ الْأَمَانِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ.
[أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ]
فَأَمَّا أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحِيحٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ الْعَبْدُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَانُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ» وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَا تُهْمَةَ فِي أَمْرِهِ فَيَصِحُّ أَمَانُهُ كَالْحُرِّ وَبَيَانُ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْجِهَادِ إعْزَازُ الدِّينِ وَدَفْعُ فِتْنَةِ الْكُفْرِ فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَكُونُ أَهْلًا لَهُ ثُمَّ الْجِهَادُ يَكُونُ بِالنَّفْسِ تَارَةً وَبِالْمَالِ أُخْرَى فَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْ مَنَافِعِهِ وَتَعْرِيضُ مَالِيَّتِهِ لِلْهَلَاكِ فَأَمَّا الْأَمَانُ جِهَادٌ بِالْقَوْلِ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ الْعَبْدُ فِيهِ كَالْحُرِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ صِحَّةُ أَمَانِهِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي الْقَتْلِ وَتَأْثِيرُ الْإِذْنِ فِي رَفْعِ الْمَانِعِ لَا فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِذْنِ لَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَنُزُولُ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ الْأَمَانُ تَرْكُ الْقِتَالِ وَلَا يُسْتَفَادُ بِالْإِذْنِ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَبَعْدَ الْإِذْنِ هُوَ فِي الْأَمَانِ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِينُهُ لَا دِينَ الْمَوْلَى فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ أَهْلًا لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute