شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْأَجْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قُلْنَا): فِي الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا فَالْإِيفَاءُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِإِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ كَمَا فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ الْآنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا يَدْرِي فِي أَيِّ مَكَان يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِبَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْأَصْلِ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إمْكَانَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ بِعَارِضِ شَرْطِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجَلِ مُعْتَبَرٌ فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ لَا فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ فَبَقِيَ مَكَانُ الْعَقْدِ مُتَعَيِّنًا لِلتَّسْلِيمِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَأَمَّا السَّلَمُ فَلَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِحَالٍ
وَإِنَّمَا يُوجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ سُقُوطِ الْأَجَلِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ فِيهِ لِلتَّسْلِيمِ وَالْإِجَارَةُ نَظِيرُ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ عَقِيبَهُ بِحَالٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِإِيفَائِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ بِدُونِ بَيَانِ الْمَكَانِ تَتَمَكَّنُ فِيهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ هُنَا كَمَا فِي السَّلَمِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ عِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَهُنَا فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ لِلْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ هُنَا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ عِنْدَ الدَّارِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ الْأَجْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَفِي الْحُمُولَةِ حَيْثُمَا وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْعَمَلِ بِيَدِهِ حَيْثُ يُوَفِّيهِ الْعَمَلَ فَإِنْ طَالَبَهُ بِهِ وَفِي بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُكَلَّفْ حَمْلَهُ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَسْتَوْثِقُ لَهُ مِنْهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ بِإِيفَاءِ مَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْحَمْلُ إلَى مَكَان آخَرَ وَلَكِنْ يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ؛ مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الطَّالِبِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَيُطَالِبُهُ بِالْإِيفَاءِ حَيْثُمَا لَقِيَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ السِّمْسَارِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذُكِرَ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ: «كُنَّا نَبْتَاعُ الْأَوْسَاقَ بِالْمَدِينَةِ وَنُسَمِّي أَنْفُسَنَا السَّمَاسِرَةَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ اسْمِنَا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute