جُزْءًا مِنْهَا.
وَأَمَّا التَّصَدُّقُ فَلِأَنَّهُ فَصْلٌ حَصَلَ لَهُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الْإِجَارَةِ فَفَعَلَ، أَوْ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُؤَاجِرَ أَوْ يَرْهَنَ فَفَعَلَ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا يَعُودُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَالرَّهْنُ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فِي جَانِبِ الرَّاهِنِ وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّ الشَّيْءَ يَنْقُصُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فَمِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ الْعَقْدِ الثَّانِي بُطْلَانُ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَعَادَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَقَبَضَهَا الْمُسْتَعِيرُ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ مَا دَامَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ خُرُوجَهَا مِنْ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ خُرُوجَهَا مِنْ الضَّمَانِ الثَّابِتِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدُ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَتَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْقَى يَدُ الْمُرْتَهِنِ، وَضَمَانُ الرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَأَمَّا عَقْدُ الرَّهْنِ فَبَاقٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تُوجِبُ حَقًّا لَازِمًا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَالشَّيْءُ لَا يُنْقِصُهُ مَا هُوَ دُونَهُ، فَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ الْحَقُّ الثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مَتَى شَاءَ.
وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ الْوَلَدُ رَهْنًا مَعَهَا، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُمَا لِمَا، قُلْنَا وَكَذَلِكَ إنْ زَرَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَرْضَ بِإِذْنِهِمَا فَالْإِعَارَةُ لَا تَلْزَمُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، كَمَا كَانَ قَبْلَهَا.
وَلَوْ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَغَرِقَتْ وَغَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ حَتَّى جَرَتْ فِيهَا السُّفُنُ، وَصَارَتْ نَهْرًا لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَلَا يَنْحَسِرَ عَنْهَا الْمَاءُ فَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَبِفَوَاتِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا يُطَالِبُ الرَّاهِنَ بِالدَّيْنِ إذَا قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، كَمَا قَبَضَهُ مِنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَبَقَ، فَإِنْ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا فَهِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا عَادَتْ بِصَيْرُورَتِهَا مُنْتَفَعًا بِهَا، كَمَا كَانَتْ وَإِنْ أَفْسَدَ مِنْهَا شَيْئًا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ رَهْنِ الرَّجُلَيْنِ وَارْتِهَانِهِمَا]
(بَابُ رَهْنِ الرَّجُلَيْنِ وَارْتِهَانِهِمَا) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا: دَنَانِيرُ وَلِلْآخَرِ: دَرَاهِمُ، أَوْ حِنْطَةٌ، أَوْ غَيْرُهُمَا فَرَهَنَهُمَا بِذَلِكَ رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، كَالْوَاحِدِ مِنْ الدَّيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الرَّهْنِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَهُوَ نَظِيرُ قِصَاصٍ يَجِبُ لِجَمَاعَةٍ عَلَى شَخْصٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute