تَزَوَّجَتْ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَحَلَّلَهَا، ثُمَّ جَامَعَهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا أَنْ تَحُجَّ بِإِحْرَامٍ مُسْتَقْبَلٍ وَعَلَيْهَا دَمٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحَلَّلَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ بِإِحْلَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ فَعَلَيْهَا الدَّمُ وَقَضَاءُ الْحَجِّ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَيْهَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ تَحَوُّلِ السَّنَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُحْصَرِ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ أَوْ فِي عَامٍ آخَرَ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ أَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهَا فَحَجَّتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهَا، فَأَمَّا بَعْدَ تَحَوُّلِ السَّنَةِ فَقَدْ تَحَقَّقَ سَبَبُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ فَوَاتُ أَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]
(بَابُ الْمَوَاقِيتِ) (قَالَ): بَلَغَنَا «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ جُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ الْأَرْبَعَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ الثَّلَاثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَا يَلَمْلَمَ وَفِي هَذِهِ - الْآثَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ سِوَى الْمَنْعِ مِنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ مَا انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ بِالِاتِّفَاقِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ يَقُولُ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَعُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: التَّأْقِيتُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ، فَأَمَّا الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمَوَاقِيتِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ وَوَجَبَتْ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute