الْأَحْكَامِ لِلنَّاسِ وَالْحَجُّ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فَأَمِنَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلنَّاسِ بِفِعْلِهِ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ لِعُذْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَيُلَبُّونَ تَلْبِيَةً فِيهَا شِرْكٌ وَمَا كَانَ التَّغْيِيرُ مُمْكِنًا لِلْعَهْدِ حَتَّى إذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ بَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةٍ وَنَادَى أَنْ لَا يَطُوفَنَّ بِهَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانُ، ثُمَّ حَجَّ بِنَفْسِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ وَحْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَصْحَابِهِ يَكُونُونَ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيلِ كِفَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ فَلِهَذَا أَخَّرَهُ أَوْ كَانَ لِلنَّسِيءِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْأَعْذَارَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ
(قَالَ): وَإِنْ أَهَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ «لَا تَصُومِي تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِكِ» وَلِأَنَّا لَوْ مَكَّنَّاهَا مِنْ ذَلِكَ فَوَّتَتْ عَلَى الزَّوْجِ حَقَّهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا كَمَا خَرَجَتْ عَنْ حَجَّةٍ أَحْرَمَتْ بِأُخْرَى وَهِيَ لَا تَمْلِكُ تَفْوِيتَ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرَةِ إلَّا أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا هُنَا قَبْلَ أَنْ تَبْعَثَ بِالْهَدْيِ لِيُوَفِّرَ حَقَّهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدِمَتْ الْمَحْرَمَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ، وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوكُ إذَا أَهَلَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ.
(قَالَ): وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ حَلَّلَهُ جَازَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ أَيْضًا أَعَادَهُ لِلْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهُ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَانَ لِمَعْنَى خُلْفِ الْوَعْدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهُ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبِ الْإِحْرَامِ، وَجَعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِلْكَهُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ إبْطَالِ النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ التَّحْلِيلِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا لَازِمًا، تَوْضِيحُهُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الْعِبَادِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ بِالسَّبْقِ، فَأَمَّا الْإِحْرَامُ لُزُومُهُ لَيْسَ لِحَقِّ الْعِبَادِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي الْمَحِلِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute