للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّفْلَ مَسْجِدًا وَالْعُلُوَّ مَسْكَنًا أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَهُوَ مِيرَاثٌ يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَسَاجِدِ الْكَعْبَةَ وَتِلْكَ الْبُقْعَةُ جُعِلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكُلُّ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَهُوَ نَافِذٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ إنْ جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا دُونَ الْعُلُوِّ جَازَ.

وَإِنْ جَعَلَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا دُونَ السُّفْلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَالُهُ قَرَارٌ وَتَأْبِيدٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ بِأَهْلِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحَبْسَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ

وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِبِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَتَقَرَّبُ إلَيَّ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ لَمْ يَقَعْ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ

وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِغَلَّةِ جَارِيَةٍ تَكُونُ فِي نَفَقَةِ الْمَسْجِدِ وَمَرَمَّتِهِ فَانْهَدَمَ الْمَسْجِدُ وَقَدْ اجْتَمَعَ مِنْ غَلَّتِهَا شَيْءٌ أُنْفِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي بِنَائِهِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ تَقَعُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ الْمَصَالِحِ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الِانْهِدَامِ.

وَلَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ وَلَيْسَ بِيَدِهِ غَلَّةٌ مُجْتَمِعَةٌ فَإِنِّي أَبْنِي الْمَسْجِدَ ثَانِيًا وَأُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهَا يَعْنِي بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاضِ فَيُقْضَى ذَلِكَ مِنْ غَلَّتِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَإِنْ شَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِسُدُسِ دَارِهِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ: ثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ سُدُسِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ مُرَادَهُ الْهِبَةُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ الْهِبَةَ، وَالْمَوْهُوبُ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، وَذَلِكَ دُونَ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ثُلُثِي وَسُدُسِي وَنَفْسُهُ لَا تَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ لِلْغَيْرِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَالٌ أَمْ لَا وَأَيُّ مِقْدَارِ مَالِهِ، وَمِنْ أَيِّ جِنْسِ مَالِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَجَعَلَ ذَلِكَ وَصِيَّةً مِنْ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ كَمَا سُمِّيَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُسْقِطُ اعْتِبَارَهُ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا يُنْصَرَفُ إلَى الدَّيْنِ دُونَ الْوَرِقِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمَرَضِ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِثُلُثِي أَيْ بِالثُّلُثِ الَّذِي جَعَلَ لِي الشَّرْعُ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>