وَلَمَّا قُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بَعْدَ مَا أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، وَإِنْ أُتِيَ بِهِ الْإِمَامُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَعْظِيمِ حُرْمَةِ الْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى إظْهَارِ الشِّدَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُهُ أَنْفَعَ وَأَفْضَلَ لِلْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ) وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُونَ هَلْ يَبِيعُونَ جِيفَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ: لَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ بِدَارِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَأَنْهَى عَنْهُ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي عُقُودِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى هَهُنَا فَقَالَ: أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْغَصْبِ فَبِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ أَوْلَى، مَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ لَا أَمَانَ لَهُمْ فِي الْمَالِ الَّذِي جَاءُوا بِهِ، فَإِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا أَخْذًا بِسَبَبِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَلْ بِطَرِيقِ الْغَنِيمَةِ، وَلِهَذَا يُخَمَّسُ وَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْغَنِيمَةِ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَعِينُونَ بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الشِّرْكِ كَالِاسْتِعَانَةِ بِالْكِلَابِ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لِأُولَئِكَ، وَلَا يُسْهَمُ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ لِلْغُزَاةِ، وَالْمُشْرِكُ لَيْسَ بِغَازٍ، فَإِنَّ الْغَزْوَ عِبَادَةٌ، وَالْمُشْرِكُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الرَّضْخُ لِتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْإِعَانَةِ إذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّضْخِ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ.
[الْأَسِيرِ يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى]
(قَالَ) وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْأَسِيرِ يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى قَالَ لَا يُفَادَى، وَلَكِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُجْعَلُ فَيْئًا أَيُّ ذَلِكَ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَهُ الْإِمَامُ.
وَالْكَلَامُ هَهُنَا فِي فُصُولٍ: (أَحَدُهَا:) مُفَادَاةُ الْأَسِيرِ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَى الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤]، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُسَارَى بِدَلِيلِ أَوَّلِ الْآيَةِ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ «، وَلَمَّا شَاوَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْمُفَادَاةِ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ» لَمَّا رَأَى مِنْ حَاجَةِ أَصْحَابِهِ إلَى الْمَالِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ اسْتِرْقَاقَ الْأَسِيرِ جَائِزٌ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِ، فَإِذَا فَادُوهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ فَمَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَفِيهِ إبْطَالُ الْغَانِمِينَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَأَنْ يَجُوزُ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الْمَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute