أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي إنْكَارِهِ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالسَّلَفُ أَخْذٌ عَاجِلٌ بِآجِلٍ. وَكَذَلِكَ الْإِعْطَاءُ فِعْلٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَلَامُهُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ مَجَازًا فَقَوْلُهُ بَيَانُ تَعْبِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا.
وَلَوْ قَالَ نَقَدْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَكِنْ لَمْ أَقْبِضْ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ وَالْإِعْطَاءَ سَوَاءٌ كَمَا ثَبَتَ فِي قَوْلِهِ أَعْطَيْتَنِي فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ دَفَعْتَ إلَيَّ وَبَعَّدَتْنِي؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَهَذَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ مَوْصُولًا لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ مُنْكِرًا لَا رَاجِعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَكَذَلِكَ الدَّفْعُ يَسْتَدْعِي مَدْفُوعًا فَقَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْ رُجُوعٌ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا صَحِيحًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْطَيْتَنِي فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعَارُ لِلْعَقْدِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْهِبَةَ تُسَمَّى عَطِيَّةً فَجَعَلْنَا كَلَامَهُ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ إذَا قَالَ مَوْصُولًا لَمْ أَقْبِضْهُ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ وَالدَّفْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ]
(بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ) إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالُوا: إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ صَحِيحٌ وَإِقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ بَاطِلٌ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ إقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَقُولُ: إنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْحَجْرُ عَنْ التِّجَارَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ فَكَانَ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَيْنٍ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى إظْهَارِ مَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لِيَفُكَّ رَقَبَتَهُ، وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ اسْتِيلَادُهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَاعْتُبِرَ الْجِهَازُ وَالْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ أَوْ يَقُولُ صِحَّةُ إقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى قِيَاسِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ لَهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَتَمَكَّنُ الْمَرْءُ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِهِ آنِسًا لَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute