يَصِحُّ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ السَّبَبِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْإِبْطَالِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مُتَمَوَّلٌ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ، وَقَدْ اعْتَادَ الْفَسَقَةُ شِرَاءَهَا وَأَدَاءَ ثَمَنِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَنَى إقْرَارَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ، وَلَكِنْ فِيهِ تَعْبِيرٌ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَلَوْ قَالَ: ابْتَعْتُ مِنْهُ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِقْرَارُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ فَهُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَقْبِضْهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ لَا رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ الطَّالِبُ وَسَلَّمَهُ لَهُ أَخَذَهُ بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُكَ لَمْ أَبِعْكَهُ إنَّمَا بِعْتُكَ غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَخْبَرَ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ لَهُ، وَقَدْ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ حِينَ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ، ثُمَّ الْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُهُ مِنْكَ إنَّمَا بِعْتُكَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعَبْدَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَإِذَا حَلَفَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فِي هَذَا الْعَبْدِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ بِسَبَبِ بَيْعِ مَتَاعٍ قَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَبِيعِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ، فَإِذَا تَحَالَفَا انْتَفَتْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ اقْبِضْهَا فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ صَرِيحٌ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُودِعًا وَلَا يَحْصُلُ الْمَالُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهَا رُجُوعًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَهَذَا رُجُوعٌ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَسْلَفْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقْبِضْهَا، فَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا كَلَامُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَالْعَطِيَّةُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهَا بَيَانًا لَا رُجُوعًا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَفْصُولًا فِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ ابْتَعْتُ مِنْ فُلَانٍ بَيْعًا سَوَاءً. تَوْضِيحُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute