للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا الْجَرِيمَةُ فِي هَتْكِ سِتْرِ الْعِفَّةِ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ الْقَذْفِ عِنْدَنَا شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ.

(قَالَ) وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالرَّجْمِ عَلَيْهِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجُمَهُ وَوُلِّيَ آخَرُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَضَاءِ فَهُوَ كَنَفْسِ الْقَضَاءِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَلَيْسَ لِلَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ قَالَ، وَإِنَّمَا هَذَا مِثْلُ قَاضٍ قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِالرَّجْمِ، ثُمَّ إنَّهُ أُتِيَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُنَفِّذُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْعَمَلِ بِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا

(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ وَطِئَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، وَلَمْ يَقُولُوا: زَنَى بِهَا فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ الزِّنَا، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْوَطْءُ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا، وَقَدْ يَكُونُ حَلَالًا بِشُبْهَةٍ وَغَيْرِ شُبْهَةٍ، وَالزِّنَا نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْوَطْءِ، وَبِاللَّفْظِ الْعَامِّ لَا يَثْبُتُ مَا هُوَ خَاصٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ جَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ مَا صَرَّحُوا بِنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا

[زَنَى الذِّمِّيُّ فَقَالَ عِنْدِي هَذَا حَلَالٌ]

(قَالَ) وَإِذَا زَنَى الذِّمِّيُّ فَقَالَ: عِنْدِي هَذَا حَلَالٌ لَمْ يُدْرَأْ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِكَذِبِهِ فَالزِّنَا حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَلِأَنَّا مَا أَعْطَيْنَاهُ الذِّمَّةَ عَلَى اسْتِحْلَالِ الزِّنَا بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ أَصْلِ اعْتِقَادِهِمْ، فَأَمَّا اسْتِحْلَالُ الزِّنَا فِسْقٌ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ كَاسْتِحْلَالِ الرِّبَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الرَّبَّا، وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِحْلَالُهُمْ لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الزِّنَا

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى ذِمِّيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِهَذِهِ الْمُسْلِمَةِ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، فَكَانُوا قَاذِفِينَ لَهَا فَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الرَّجُلِ إمَّا لِإِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَحَلِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ كَوْنُ الْمُسْلِمَةِ مَحَلًّا لِذَلِكَ

(قَالَ) رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَكِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكُلِّ امْرَأَةٍ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ.

(وَحُجَّتُهُمَا) فِي ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا زِنًى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢]، وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [النساء: ٢٢] وَالْفَاحِشَةُ اسْمُ الزِّنَا، وَفِي «حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>