أَلْفَانِ فَكَانَ هَذِهِ، وَمَا لَوْ بِيعَ الْعَبْدُ بِأَلْفَيْنِ سَوَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ فِي الْحَفْرِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ: أَلْفٌ ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَحَفَرَ عِنْدَهُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ وَوَضَعَ فِي الطَّرِيقِ حَجَرًا ثُمَّ رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَافْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ، فَمَاتَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ عَبْدَكَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ جَانِيًا عَلَى الْوَاقِعِ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ، فَإِنَّهُ بِالْحَفْرِ مُتَسَبِّبٌ لِإِتْلَافِهِ بِإِزَالَةِ مَا بِهِ كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ، وَحِينَ صَنَعَ هَذَا كَانَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ الْوُقُوعِ أَيْضًا، فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّدِّ لَمْ يُسَلَّمْ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَاصِرًا حِينَ اسْتَحَقَّ بِسَبَبِ فِعْلٍ كَانَ بَاشَرَهُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: بَلْ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ فَوَّتَ يَدَ الْمَرْهُونِ بِغَصْبِهِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ دَيْنُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ فَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْآنَ حَقُّ الْمَالِكِ، فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُفْلِسًا أَوْ غَائِبًا رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِاَلَّذِي قَضَاهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً حَتَّى يَكُونَ الْفِدَاءُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَفَرَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الرَّاهِنِ.
(أَلَا تَرَى): أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَتَوَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِالْفِكَاكِ لَمْ يُسَلِّمْ لِلرَّاهِنِ حِينَ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ قَبْلَ الْفِكَاكِ، فَيُجْعَلُ كَالْهَالِكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَفِي هَذَا مَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بِالْفِكَاكِ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ فَإِنْ عَطِبَ بِالْحَفْرِ آخَرُ فَمَاتَ وَقَدْ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ: ادْفَعْ نِصْفَهُ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ قَدْ حَصَلَتَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ قَدْ مَلَكَ جَمِيعَ الْعَبْدِ حِينَ دُفِعَ إلَيْهِ فَقَامَ هُوَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْحَفْرِ مَقَامَ الْمَوْلَى، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَلَا يَتْبَعُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ سِوَى الَّذِي تَبِعَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا دَفْعَ الْعَبْدِ، وَقَدْ دُفِعَ الْعَبْدُ، وَاَلَّذِي عَطِبَ بِالْحَفْرِ مِثْلُ آخَرَ لَوْ وَقَعَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute