ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى إذَا ضَاعَتْ حِصَّةُ الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَبَضَ الْكِبَارُ بِحِصَّتِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ، وَهَذَا يُقْدِمُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ بَيْعِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ وَشِرَائِهِ لِلْيَتِيمِ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ رَجُل فَأَمَرَهُ الْوَصِيُّ أَنْ يُقْرِضَهَا أَوْ يَهَبَهَا أَوْ يُسْلِفَهَا فَأَمْرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَعْتَبِرُ أَمَرَهُ بِهِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لِلْمَالِ بِدَفْعِهِ إلَى الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى رَجُلٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ جَازَ وَبَرِئَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ بِهَذَا يَصِيرُ مُوَكِّلًا لِلْقَابِضِ بِالْقَبْضِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ وَدَفَعَهُ إلَى هَذَا الرَّجُلِ وَدِيعَةً كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ مَنْ فِي يَدِهِ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ الْوَصِيُّ بِأَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً أَوْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَتَاعًا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِيهِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَشَهِدَتْ الشُّهُودُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَلَا شَيْءَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَوَصِيَّةُ الْمَشْهُودِ لَهُ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَوَصِيَّةُ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ.
وَإِذَا صَارَ الثُّلُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُقَرِّ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِالثُّلُثِ وَصِيَّةً وَالِاسْتِحْقَاقُ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَحِلِّهَا قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ: أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ إبْطَالَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ وَمَا بَقِيَ الثُّلُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ الْمُقِرُّ إيجَابَهُ لِغَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مَحَلًّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ.
قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ إقْرَارًا مُتَّصِلًا فَقَالَ: أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ، وَأَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ جَعَلْتُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ الثَّانِيَ مَعَ الْأَوَّلِ فِي الثُّلُثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute