قِبَلِ فُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ لَهُ بِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَارِيَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ قَرْضٌ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَتَأَتَّى فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَكَانَتْ الْإِعَارَةُ فِيهَا تَسْلِيطًا بِشَرْطِ ضَمَانِ الرَّدِّ، وَذَلِكَ حُكْمُ الْقَرْضِ.
وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَارِيَّةٌ بِيَدِي عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ فَلَيْسَ هَذَا بِإِقْرَارٍ، وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ إقْرَارٌ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُ " عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ " مَعْنَاهُ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا إلَيَّ عَارِيَّةً عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ فَإِنَّمَا إقْرَارُهُ فُلَانًا كَانَ رَسُولًا فِيهَا فَلَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ وُصُولَهَا إلَى يَدِهِ كَانَ مِنْ يَدِ فُلَانٍ، وَالْمُتَعَيِّنُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُ الرَّدُّ الْمُكَارِيَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ رَدُّهَا عَلَى فُلَانٍ فَلِهَذَا كَانَ مِنْهُ إقْرَارًا لِفُلَانٍ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا]
(بَابُ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا) (قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ، وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إلَّا إنْ بَيَّنَ الْوَزْنَ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الدَّرَاهِمِ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْوَزْنِ فِيهِ إلَّا بِذِكْرِ الْعَدَدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمُطْلَقُ ذِكْرِ الْوَزْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْكُوفَةِ فَالْمُتَعَارَفُ بِهَا فِي الدَّرَاهِمِ سَبْعَةٌ وَكَمَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَزْنُ خَمْسَةٍ بَيَانٌ مُعْتَبَرٌ لِمَا اقْتَضَاهُ مُطْلَقُ إقْرَارِهِ، فَقَدْ بَيَّنَّا بَيَانَهُ، وَالتَّعْبِيرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ وَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا وَزْنُ سَبْعَةٍ أَنَّ كُلَّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَكُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَإِذَا كَانَ الدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا تُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الزَّكَاةِ وَنِصَابُ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَوْزَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَمِنْهَا مَا كَانَ الدِّرْهَمُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، وَمِنْهَا مَا كَانَ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ خَمْسَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنُ سِتَّةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى نَقْدٍ وَاحِدٍ فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ دِرْهَمًا، وَكَانَ الْكُلُّ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةٌ فَكُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَهُوَ وَزْنُ سَبْعَةٍ الَّتِي جَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهَا النَّاسَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَتَبَايَعُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ بَيْنَهُمْ يَنْقُصُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute