فُلَانٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ وَالْحُرْمَةِ يَعْنِي لِأَجْلِ شَفَاعَتِهِ وَحُرْمَتِهِ إعَادَةُ صَاحِبِهِ، فَهُنَا قَوْلُهُ " مِنِّي " فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجْعَلْ إقْرَارًا لَهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمِلْكِ فُلَانٍ أَوْ لِمِيرَاثِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْحُرْمَةِ وَالشَّفَاعَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذَا الْأَلْفُ مُضَارَبَةً عِنْدِي لِحَقِّ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَى الْحُرْمَةِ وَالشَّفَاعَةِ أَيْ إنَّمَا رَفَعَهَا صَاحِبُهَا إلَى مُضَارَبَةٍ لِأَجْلِ شَفَاعَةِ فُلَانٍ وَحُرْمَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَرْضِ لِحَقِّ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا تُجْزِئُ فِيهِ الشَّفَاعَةُ عَادَةً إنَّمَا تُجْزِئُ فِيهِ الْكَفَالَاتُ، فَإِذَنْ انْتَفَى مَعْنَى الشَّفَاعَةِ فِي الْقَرْضِ فَبَقِيَ إقْرَارًا لِمِلْكِهِ بِخِلَافِ الْعَوَارِيِّ وَالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ تُجَزِّئُ فِيهِمَا الشَّفَاعَاتُ عَادَةً.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِحَقِّ فُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ لَهُ بِهَا لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ قَرْضٌ فَكَانَ هَذَا وَالْإِقْرَارُ بِالْقَرْضِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ.
وَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ مِنْكَ عَارِيَّةً، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتُهُ مِنِّي بَيْعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ، فَإِنْ لَبِسَهُ فَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ثَوْبِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى اللَّابِسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَاللَّابِسُ وَصَاحِبُهُ مُنْكِرَانِ، فَإِنْ (قِيلَ) لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الثَّوْبِ مِنْ الْغَيْرِ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى لُبْسِهِ فَلَمَّا أَقَرَّ صَاحِبُهُ بِالْبَيْعِ، فَقَدْ ثَبَتَ الْإِذْنُ فِي اللُّبْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ اللَّابِسُ كَمَا قُلْنَا فِي الْآخِذِ (قُلْنَا) التَّسْلِيطُ بِإِيجَابِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ لِيَلْبَسَ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ لَمْ يَثْبُتْ تَسْلِيطُ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عَلَى لُبْسِهِ، وَهُوَ فِي اللُّبْسِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ مُوجِبٌ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْآخِذِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْآخِذِ عَامِلًا لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَالْمُودِعِ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ لِيَحْفَظَهَا فَلَا يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ إذَا لَمْ يُنْكِرْ صَاحِبُهُ أَصْلَ الْإِذْنِ
الْإِذْنِ وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ غَصَبَنِي فَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَالِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَعِنْدَ التَّصَادُقِ عَلَى الْحُكْمِ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ " لَا بَلْ غَصَبَنِي " لَا يَكُونُ رَدًّا لِأَصْلِ الْوَاجِبِ إنَّمَا يَكُونُ رَدًّا لِلسَّبَبِ فَيَبْقَى إقْرَارُهُ مُعْتَبَرًا فِي وُجُوبِ الْمَالِ لِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إيَّاهُ فِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ بِعَيْنِهَا فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ بِدَعْوَى الْقَرْضِ يَدَّعِي مِلْكَهَا عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِي عَارِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَوْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute