نُقِلَ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَنْقُولِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا أَظُنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا جُزَافًا، وَالْقِيَاسُ لَا يَشْهَدُ لِقَوْلِهِمْ حَتَّى يَقُولَ قَالُوا ذَلِكَ قِيَاسًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا السَّمَاعُ ثُمَّ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الصَّيْدِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ أَيْضًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صَيْدٍ أَخَذَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَكَانُوا مُحْرِمِينَ هَلْ أَعَنْتُمْ هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ دَلَلْتُمْ» فَجَعَلَ الْإِشَارَةَ كَالْإِعَانَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَزَاءَ، وَبِهِ فَارَقَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَظْرِ هُنَاكَ مَعْنًى فِي الْحِلِّ، وَهُوَ أَمْنُ الصَّيْدِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ مَنْ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُتَّصِلًا بِالْمَحِلِّ حَتَّى يَكُونَ جِنَايَةً فِي إزَالَةِ الْأَمْنِ عَنْ الْمَحِلِّ.
وَهُنَا الْحَظْرُ بِسَبَبِ مَعْنًى فِي الْفَاعِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَكَانَ فِعْلُهُ مَحْظُورًا لِإِحْرَامٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحِلِّ، وَلِهَذَا كَانَ مَعْنَى الْجَزَاءِ هُنَا رَاجِحًا، وَمَعْنَى غَرَامَةِ الْمَحِلِّ هُنَاكَ رَاجِحٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْإِحْرَامُ عَقْدٌ خَاصٌّ، وَقَدْ ضَمِنَ لَهُ تَرْكَ التَّعَرُّضِ بِعَقْدِهِ فَإِذَا تَعَرَّضَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ فَقَدْ بَاشَرَ بِخِلَافِ مَا الْتَزَمَهُ فَكَانَ قِيَاسَ الْمُودَعِ يَدُلُّ سَارِقًا عَلَى سَرِقَةِ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ وَنَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ بِعَقْدٍ خَاصٍّ ثُمَّ الْوَاجِبُ هُنَاكَ ضَمَانُ الْحَيَوَانِ فَيَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْمَحِلِّ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ اتَّصَلَ فِعْلُهُ بِالْمَحِلِّ وَالدَّلَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِإِيجَابِ الْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ مَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهِ بِدَلَالَتِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعَارَ الْمُحْرِمُ سِكِّينًا مِنْ غَيْرِهِ لِيَقْتُلَ صَيْدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ مَا يَقْتُلُ بِهِ الصَّيْدَ فَعَلَى الْمُعِيرِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتُلُ بِهِ الصَّيْدَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعِيرِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَتْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِإِعَارَةِ السِّكِّينِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ إذَا صَدَّقَهُ الْمَدْلُولُ فِي دَلَالَتِهِ فَأَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَلَمْ يَتْبَعْ الصَّيْدَ بِدَلَالَتِهِ حَتَّى دَلَّ عَلَيْهِ آخَرُ فَصَدَّقَهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الدَّالِّ الثَّانِي إذَا كَانَ مُحْرِمًا دُونَ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ إنْسَانًا بِأَخْذِ الصَّيْدِ فَأَمَرَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنْسَانًا آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْآمِرِ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ دُونَ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الدَّالِّ الْأَوَّلِ إذَا أَخَذَ الْمَدْلُولُ الصَّيْدَ، وَالدَّالُّ مُحْرِمٌ فَأَمَّا إذَا حَلَّ الدَّالُّ عَنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدْلُولُ الصَّيْدَ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ لِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا يَتِمُّ جِنَايَةً عِنْدَ زَوَالِ مَعْنَى النُّفْرَةِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الْأَخْذِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الدَّالُّ عِنْدَ ذَلِكَ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ أَخْذُ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ أَخْذِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِدَلَالَتِهِ.
[اشْتَرَكَ رَهْطٌ مُحْرِمُونَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ]
(قَالَ) وَإِذَا اشْتَرَكَ رَهْطٌ مُحْرِمُونَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute