[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]
الْأَصْلُ فِي الْعِيدَيْنِ حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى»
وَاشْتَبَهَ الْمَذْهَبُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَمْ سُنَّةٌ فَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعِيدَيْنِ: يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأُولَى مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: لَا يُصَلَّى التَّطَوُّعُ فِي الْجَمَاعَةِ مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخُرُوجُ فِي الْعِيدَيْنِ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ أَهْلِ الْقُرَى وَالسَّوَادِ لِمَا رَوَيْنَا «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَالْمُرَادُ بِالتَّشْرِيقِ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا ذَبْحَ إلَّا بَعْدَ التَّشْرِيقِ»
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْعِيدِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَفِي الْعِيدِ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا خُطْبَةُ تَذْكِيرٍ وَتَعْلِيمٍ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ كَالْخُطْبَةِ بِعَرَفَاتٍ وَالْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ مَرْوَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا خَطَبَ فِي الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخْرَجْت الْمِنْبَرَ يَا مَرْوَانُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطَبْت قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَخْطُبْ هُوَ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَرْوَانُ: ذَاكَ شَيْءٌ قَدْ تُرِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» يَعْنِي أَضْعَفَ أَفْعَالِ الْإِيمَانِ فَقَدْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَتَّى أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي خُطْبَتِهِمْ يَتَكَلَّمُونَ بِمَا لَا يَحِلُّ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَجْلِسُونَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِسَمَاعِهَا فَأَحْدَثُوهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيَسْمَعَهَا النَّاسُ وَالْخُطْبَةُ فِي الْعِيدَيْنِ كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute