[بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي الْحَجِّ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَلِلْمُوصَى لَهُ الْوَارِثُ الْمَنْفَعَةُ، وَهُوَ قَصَدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ صَرْفَ الْمِائَةِ مِنْ مَالِهِ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ ثُلُثُهُ فَحَجَّ الْوَصِيُّ بِهَا فَبَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ الْحَاجِّ وَكِسْوَتِهِ وَإِطْعَامِهِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ لَا يَجُوزُ فَمَا يَفْضُلُ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ فَرَغَ عَنْ وَصِيَّتِهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ جَامَعَ فَفَسَدَ حَجُّهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَرَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِسَفَرِهِ حَجَّةً صَحِيحَةً، وَقَدْ فَوَّتَ هَذَا الشَّرْطَ بِالْإِفْسَادِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا بَقِيَ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُوصِي، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ قَرَنَ أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ آخَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْمَنَاسِكِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرُوا رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَتَى بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ النَّخِيلِ لِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ عَجَزَتْ النَّفَقَةُ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُكْمِلُوا لَهُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَهُ وَتُجْزِي الْحَجَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرُوهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَنْ قَدْ حَجَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَأَبْصَرُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاشْتِبَاهِ الْآثَارِ، وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ ضَرُورَةً جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَنَاسِكِ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ امْرَأَةً، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّ «الْخَثْعَمِيَّةَ حِينَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ، وَقَدْ أَسَاءُوا فِي ذَلِكَ لِنُقْصَانِ حَالِ النِّسَاءِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمِخْيَطَ فِي إحْرَامِهَا وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ وَلَا تَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي وَتَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا ضَرُورَةَ لَهُمْ فِي إحْجَاجِهَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ فِيمَنْ يَحُجُّ عَنْ الرِّجَالِ كَثْرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُوصِيَةُ فَأَحَجُّوا عَنْهَا رَجُلًا أَجْزَأَهَا؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute