النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثِينَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفُ مَا أَعْطَيْنَاهُ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ نِصْفُ مَا جَعَلْنَاهُ لَهُ، وَهُوَ سَبْعَةٌ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ نِصْفُ مَا أَعْطَيْنَاهُ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ سُدُسُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالْبَاقِي فِي الْمَالِ.
قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَانِ الْحَرْفَانِ الْأَخِيرَانِ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ فَيَقْسِمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْوَرَثَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَسَبْعِينَ سَهْمًا فَمَا أَصَابَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَمَا أَصَابَ سِتِّينَ سَهْمًا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِهَامِ حَقِّهِ وَالْوَرَثَةُ بِسِهَامِ حَقِّهِمْ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْأَصْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ سُبُعُ حَقِّهِ لَا سُدُسُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ سَهْمَانِ، وَمِنْ الْأَلْفَيْنِ اثْنَا عَشَرَ، فَإِذَا جَمَعْت الْكُلَّ كَانَ مَالُهُ مِنْ الْعَبْدِ سُبُعَ حَقِّهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ وَضَرَبَ الْآخَرُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ قِيمَةِ عَبْدِهِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي حَقِّ الضَّرْبِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ وَهَبَهَا لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا وَمَاتَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْمِائَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَصَارَ بِهِ رَاجِعًا وَالْوَصِيَّةُ مَتَى بَطَلَتْ بِالرُّجُوعِ لَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، وَلَوْ كَانَ غَصَبَهَا غَاصِبٌ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِعَيْنِهَا لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَأَكَّدَ فِيهَا بِالْمَوْتِ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهَا وَمَا كَانَ حَقُّهُ مُتَأَكِّدًا فِيهَا قَبْلَ مَوْتِهِ يَبْطُلُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْبَدَلِ كَالْمَوْهُوبِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذَا أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَرَجَعَتْ إلَيْهِ الْمَالِيَّةُ بِعَيْنِهَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ بِالْقَبْضِ فَصَارَتْ الْمِائَةُ مَمْلُوكَةً لِبَائِعِ الْعَبْدِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَلِهَذَا كَانَ عَيْنًا بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَصِيَّةُ بَعْدَمَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute