[بَابُ الرَّجْعَةِ]
(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْجِمَاعِ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَّقَ سَوْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِقَوْلِهِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» «وَطَلَّقَ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثُمَّ رَاجَعَهَا بِالْوَطْءِ» وَيَسْتَوِي إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ أَوْ قَصُرَتْ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بَاقٍ مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلْقَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهَا وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ مِيرَاثَهَا عَلَيْك فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الرَّجْعَةِ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ، وَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ يَتَزَوَّجُهَا بِرِضَاهَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ.
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَغْشَاهَا حَتَّى يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجْعَتِهَا وَالْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ الْإِشْهَادَ عَلَى النِّكَاحِ شَرْطًا وَيَجْعَلُ الْإِشْهَادَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَرْطًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا، وَهُوَ مَنْعٌ لِلْمُزِيلِ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا شَرْطًا كَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الِاسْتِحْبَابُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالْفُرْقَةِ وَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفُرْقَةِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ فَكَذَلِكَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] ثُمَّ الْبَيْعُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ وَلَيْسَ فِي الرَّجْعَةِ عِوَضٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ فَلَا يَسْتَدْعِي عِوَضًا وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَاهَا وَلَا رِضَى الْمَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الزَّوْجَ أَحَقَّ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ إذَا اسْتَبَدَّ بِهِ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ بَعْلًا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دَلِيلُ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَالْمُبَاعَلَةُ هِيَ الْمُجَامَعَةُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا إنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ وَلَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْرُمُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute