للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدَهُ بَعْدَ هِبَتِهِ، وَإِنْ رُوِيَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَلَمَّا انْتَهَكَ سِتْرَهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يُطَهِّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ لِذَلِكَ، وَعِنْدَنَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ السَّارِقُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ

[أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ]

(قَالَ) فَإِنْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ فَفِي الْقِيَاسِ يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ مِنْهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تُقْطَعْ لِلشُّبْهَةِ، فَإِنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ رُبَّمَا يُكَذِّبُهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا

[السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ]

(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ، فَإِنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّهُ إذَا احْتَاجَ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَفِي الْكِتَابِ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْمَالِ مَالِكٌ مُتَعَيِّنٌ وَوُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ لِصِيَانَةِ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ

(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ زَوْجِ ابْنَتِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ أَوْ امْرَأَةِ أَبِيهِ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَنْزِلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَنْزِلَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَمَنْزِلِ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَا حِشْمَةٍ فَلَا يَتِمُّ مَعْنَى الْحِرْزِيِّةِ فِي حَقِّهِ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ الْقَطْعُ، فَأَمَّا إذَا سَرَقَ مَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ غَيْرِ مَنْزِلِ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ سَرَقَ مِنْ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ مِنْ أَبَوَيْهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِحْسَانًا، وَفِي قَوْلِهِمَا يُقْطَعُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ الْخِلَافُ فِي الْأَخْتَانِ وَالْأَصْهَارِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُمَا يَقُولَانِ لَا شُبْهَةَ لِلْبَعْضِ فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا تَأْوِيلَ، وَلَا فِي حِرْزِهِ، فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةً ثَابِتَةً بِالْمُصَاهَرَةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالرَّضَاعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: بَيْنَ الْأَخْتَانِ وَالْأَصْهَارِ مُبَاسَطَةٌ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ فِي مَنْزِلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةٌ فِي الْحِرْزِيِّةِ وَأَدْنَى الشُّبْهَةِ تَكْفِي فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَنْزِلِ أَبِيهِ مَالَ امْرَأَتِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقَامَةَ الْمُضَافِ مَقَامَ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَامْرَأَةُ الِابْنِ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَوْ سَرَقَ الْأَبُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا يُقْطَعُ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضَافِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْمُضَافِ مَقَامَ الْمُضَافِ إلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِابْنَ جُزْءٌ مِنْ أَبِيهِ، وَلَوْ سَرَقَ الِابْنُ مَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ أَبُوهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا سَرَقَ مَالَ الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ وَالشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>