الْحَرَمِ فَاعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ يُحَرِّمُ التَّنَاوُلَ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الْجَرْحِ يُبِيحُ تَنَاوُلَهُ فَيَتَرَجَّحُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ.
(قَالَ) وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِالْكُوفَةِ، وَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْهَدْيِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَكَان مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْحَرَمُ كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى التَّبْلِيغِ إلَى الْحَرَمِ هُنَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ أَجْزَأَهُ مِنْ الطَّعَامِ إذَا أَصَابَ كُلُّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذْ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ مِنْ الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا أَصَابَ كُلَّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
(قَالَ) وَإِذَا أَرَادَ الصَّوْمَ بِالْكُوفَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ قُرْبَةٌ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فِي حَقِّ الْحَلَالِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَحِينَئِذٍ تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا يَظْهَرُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ فَلِهَذَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ الْحَلَالِ إذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ كَالْمُحْرِمِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ الدَّالُّ فِيهِ كَالْمُبَاشِرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْفَصْلِ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ]
(قَالَ) وَإِذَا أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَدُّقِ تَعَلَّقَ بِالْمَذْبُوحِ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَى حَاجَتِهِ صَارَ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَهُ بَعْدَمَا ذَبَحَهُ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَذْبُوحًا بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ فَإِنَّ الْهَدْيَ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ حِينَ ذَبَحَهُ بِمَكَّةَ، وَبَقِيَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ الْمَذْبُوحِ فَإِذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْأَكْلِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهِ لَا أَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ لِأَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ كُلِّ مِسْكِينٍ مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ صَاعٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَأَمَّا فِي الْهَدْيِ فَالتَّكْفِيرُ يَحْصُلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ دُونَ التَّصْدِيقِ بِاللَّحْمِ ثُمَّ التَّصَدُّقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّكَاةِ فَإِنْ شَاءَ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَفِي التَّكْفِيرِ بِالطَّعَامِ إذَا أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ فَفَضَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute