وَاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَوْ سَدِّ بَابِ التَّلَاقِي عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَمْنَعُ النَّفَاذَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ فِي الْكِتَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَنْفُذُ وَهُنَا تَصَرُّفُ الزَّوْجِ بِحُكْمِ مِلْكِهِ، وَهُوَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ صَارَ مَالِكًا لِلتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْمِلْكُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا وَلَا مَأْذُونًا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُتَحَقَّقَةٍ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تَمْلِيكُ الْأَمْرِ مِنْهُمَا وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الرَّجُلِ فِي حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَبِهَذَا وَنَظَائِرِهِ اسْتَشْهَدَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَلْزَمُهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا، وَفِيهِ لُغَتَانِ حِدَادٌ وَإِحْدَادٌ يُقَالُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ تَحِدُّ وَحَدَّتْ تَحِدُّ وَكِلَاهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَهَذَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَعَتْ بِطِيبٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمَسَّتْهُ عَارِضَيْهَا وَقَالَتْ مَا بِي حَاجَةٌ إلَى الطِّيبِ وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِاكْتِحَالِ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» الْحَدِيثَ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَعَلَيْهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ الَّذِي وَفَى لَهَا حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَفَاهَا وَآثَرَ غَيْرَهَا عَلَيْهَا فَإِنَّمَا تُظْهِرُ السُّرُورَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهُ دُونَ التَّأَسُّفِ.
(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» فَإِنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْحِدَادَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ الْحَلَالِ بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute