مَوْجُودٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَعَيْنُ الزَّوْجِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لَهَا حَتَّى يَكُونَ التَّحَزُّنُ بِفَوَاتِهِ بَلْ كَانَ مَقْصُودُهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّعْمَةِ وَذَلِكَ يَفُوتُهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهَا نِعْمَةٌ بَلْ تَخَلَّصَتْ مِنْ الْحَرَامِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا.
وَصِفَةُ الْحِدَادِ أَنْ لَا تَتَطَيَّبَ وَلَا تَدَّهِنَ وَلَا تَلْبَسَ الْحُلِيَّ وَلَا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ التَّزَيُّنُ، وَهُوَ ضِدُّ إظْهَارِ التَّحَزُّنِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ رَغْبَةِ الرِّجَالِ فِيهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً وَلَا ثَوْبَ عَصَبٍ وَلَا خَزٍّ لِتَتَزَيَّنَ بِهِ قِيلَ هُوَ الْبُرْدُ الْيَمَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْقَصَبُ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَ الْقَصَبَ وَالْخَزَّ الْأَحْمَرَ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ذَلِكَ لَا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَأَمَّا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا تَدْهُنُ رَأْسَهَا لِزِينَةٍ فَإِنَّ الدُّهْنَ أَصْلُ الطِّيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَيَصِيرُ غَالِيَةً وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ الدُّهْنَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي بِأَنْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا فَصَبَّتْ عَلَيْهِ الدُّهْنَ جَازَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَمْنَعُ التَّدَاوِي وَإِنَّمَا تَمْنَعُ مِنْ التَّزَيُّنِ. وَلَا تَكْتَحِلُ لِلزِّينَةِ أَيْضًا فَإِنْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَكْتَحِلَ بِالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا بَلَغَتْ الْبَابَ دَعَاهَا فَقَالَ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ».
وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لَا تَقْصِدُ الزِّينَةَ بِالِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهَا الزِّينَةَ فَمَنَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرِيدَ الزِّينَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ سِتْرِ عَوْرَتِهَا، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ سِوَى هَذَا الثَّوْبَ فَمَقْصُودُهَا السِّتْرُ لَا الزِّينَةُ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَطَيَّبَ وَتَتَزَيَّنَ بِمَا أَحَبَّتْ مِنْ الثِّيَابِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ مَا فَاتَتْ بَعْدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَالتَّزَيُّنُ مِمَّا يَبْعَثُهُ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا فَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إلَيْهِ أَيْضًا.
فَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا فَارَقَهَا أَوْ تَوَفَّى عَنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَّقِيَ فِي عِدَّتِهَا شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ لِأَنَّ الْحِدَادَ فِي الْعِدَّةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَهِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ الشِّرْكِ وَاَلَّذِي تَتْرُكُ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.
(قَالَ) وَتَتَّقِي الْمَمْلُوكَةُ الْمُسْلِمَةُ فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي مِنْهُ الْحُرَّةُ إلَّا الْخُرُوجَ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الشَّرْعِ كَالْحُرَّةِ وَإِنَّمَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ لِحَقِّ مَوْلَاهَا فِي خِدْمَتِهِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute