الْمَجْهُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]، ثُمَّ الْعِدَّةُ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ
وَإِذَا تَرَكَ امْرَأَةً حُبْلَى فَأَوْصَى رَجُلٌ لِمَا فِي بَطْنِهَا وَصِيَّةً، ثُمَّ وَضَعَتْ الْوَلَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّا نُسْنِدُ الْعُلُوقَ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ.
وَإِذَا أَسْنَدْنَا فَقَدْ حَكَمْنَا بِكَوْنِ الْوَلَدِ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ حِينَ أَوْجَبَ لَهُ الْوَصِيَّةَ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عِلْمِنَا حَقِيقَةً.
وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ إلَّا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ حِينَ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ الَّذِي انْفَصَلَ مَيِّتًا لَا يُجْعَلُ وَلَدًا فِي حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا حَيٌّ، وَالْآخَرُ مَيِّتٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ اسْتِحْقَاقُ الْوَصِيَّةِ لَهُمَا فَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا فَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَصِحُّ ضَمُّهُ إلَى الْحَيِّ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ وَهُمَا مُنْفَصِلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ وَالسَّهْمِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَحْسَنُ سِهَامِ وَرَثَتِهِ سِهَامٌ يُزَادُ ذَلِكَ عَلَى الْفَرِيضَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْسَنُ السِّهَامِ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: لَهُ السُّدُسُ فَيَتَنَاوَلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سِهَامِ وَرَثَتِهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِسَهْمٍ كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ رُدَّ إلَى الثُّلُثِ إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ لَا لِأَنَّ السَّهْمَ لَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بَلْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ التَّرِكَةَ بِمَوْتِهِ تَصِيرُ سَهْمًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ فَتَسْمِيَةُ السَّهْمِ لِلْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ أَحَدَ تِلْكَ السِّهَامِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا أَقَلُّهَا؛ لِأَنَّ فِي كَوْنِ الْأَقَلِّ مُرَادًا تَيَقُّنٌ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ شَكٌّ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ السُّدُسَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ: لَهُ السُّدُسُ وَهَكَذَا نَقَلَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا: السَّهْمُ السُّدُسُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لَفْظَةَ السَّهْمِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ سَهْمَ مَنْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ وَرَثَتِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ لَا بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ عَارِضٍ وَذَلِكَ الْقَرَابَةُ دُونَ الزَّوْجِيَّةِ فَمَا يَكُونُ عَارِضًا فِي مُزَاحَمَةِ مَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute