لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ مَا يَتَأَكَّدُ بِهِ الْوَلَاءُ وَلَمْ يَجْنِ وَلَكِنَّهُ الْتَحَقَ مَعَهُمْ فِي دِيوَانِهِمْ فَجَنَى بَعْضُهُمْ فَعَقَلَ عَنْهُ مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَالَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إذَا عَقَلَ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى بَعْدَ مَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ وَلَائِهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ بَعْدَ عَقْلِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُحَوِّلَهُ أَيْضًا وَلَوْ أَخَذَ مَعَهُمْ الْعَطَاءَ وَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ بِأَخْذِ الْعَطَاءِ لَا يَتَأَكَّدُ حُكْمُ الْوَلَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِعَقْلِ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِعَقْلِ الْجِنَايَةِ حَتَّى إنْ عَقَلَ عَقْلَ الْجِنَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْلِ الْجِنَايَةِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مَرْغُوبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَهُ فَرْضٌ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ لَمْ يَرِثُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] وَالْمَكْتُوبُ عَلَيْنَا يَكُونُ فَرْضًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ الْوَصِيَّةَ فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ»، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ لَنَا لَا عَلَيْنَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ»، وَالْمَشْرُوعُ لَنَا مَا لَا يَكُونُ فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا عَلَيْنَا بَلْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ النَّوَافِلِ مِنْ الْعِبَادَاتِ ثُمَّ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْوَفَاءِ مُعْتَبَرٌ بِالتَّبَرُّعِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ إحْسَانٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّبَرُّعُ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ آيَةُ الْمَوَارِيثِ ثُمَّ اُنْتُسِخَ، وَتَكَلَّمُوا فِي نَاسِخِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّمَا اُنْتُسِخَ بِقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمِيرَاثِ بَعْدَ وَصِيَّةٍ مُنَكَّرَةٍ فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثَابِتَةً بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute