للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السِّتْرُ يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِمَا يُمَاسُّ بَدَنَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ كَالطَّسْتِ وَالْإِجَّانَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ مِنْ الثِّيَابِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ يَكُونُ هُوَ حَامِلًا لَا مُسْتَعْمَلًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِينَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا

(قَالَ): فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا فَغَطَّى رَجُلٌ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ بِثَوْبٍ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ بِهِ غَيْرُهُ كَفِعْلِهِ فِي الْجَزَاءِ، وَإِنْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْمَأْثَمِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَالْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ، وَعُذْرُ النَّوْمِ لَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى صَيْدٍ فِي حَالِ نَوْمِهِ فَقَتَلَهُ

(قَالَ): صَبِيٌّ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ وَجَنَّبَهُ مَا يُجَنَّبُ الْمُحْرِمُ فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ أَصَابَ طِيبًا أَوْ صَيْدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الصَّبِيِّ كَالْبَالِغِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَيَأْمُرُ الْوَلِيُّ بِأَدَائِهِ مِنْ مَالِهِ، وَعِنْدَنَا الْمَالِيُّ وَالْبَدَنِيَّ سَوَاءٌ فِي أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ. وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ ثُمَّ إحْرَامُ الصَّبِيِّ لِلتَّخَلُّقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ جِنَايَتُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَضُرُّهُ، وَلَوْ جَعَلْنَا إحْرَامَهُ مُلْزِمًا إيَّاهُ فِي الِاجْتِنَابِ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَمُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُ الْأَبِ فِي الْإِحْرَامِ وَاقِعًا بِصِفَةِ النَّظَرِ لَهُ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ تَخَلُّقًا غَيْرَ مُلْزِمٍ إيَّاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّخَلُّقِ وَالِاعْتِيَادِ.

[بَابُ النَّذْرِ]

(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِالنَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا شَرْعًا، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا فَلَا يَصِحُّ الِالْتِزَامُ بِالنَّذْرِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِاللَّفْظِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الْمَشْيُ فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ مَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْلَى، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ. وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْتِزَامَ النُّسُكِ، وَاللَّفْظُ إذَا صَارَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِهِ مَجَازًا سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهِ وَيُجْعَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>