خُرُوجُهُ إلَى الرَّبَذَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَفُتْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»، ثُمَّ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدِّمَاءِ بَعْدَ هَذَا بِسَبَبِ التَّرْكِ وَالتَّأْخِيرِ
(قَالَ): فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَقْضِي عُمْرَتَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَا يَفُوتُهُ عَمَلُ الْعُمْرَةِ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ السَّنَةِ وَقْتُ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ أَدَاؤُهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامَ الْحَجِّ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مُتَعَيِّنَةً لِلْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ لَوْ أَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّ فَيَبْقَى مُحْرِمًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِهَا وَهُوَ نَظِيرُ بَقَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ
[أَهَلَّ الْحَاجُّ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى]
(قَالَ): وَإِذَا أَهَلَّ الْحَاجُّ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى لَزِمَتْهُ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأُولَى وَيُقِيمُ حَرَامًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْحَجَّ بِهَذَا الْإِحْرَامِ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْحَجِّ مِنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ لِأَدَاءِ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَعَلَيْهِ بِجَمْعِهِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ دَمٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجَّتَيْنِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الدَّمُ بِالْجَمْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ لِرَفْضِ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ هُنَاكَ لَا يَتَحَقَّقُ حِينَ صَارَ قَاضِيًا لِإِحْدَاهُمَا وَهُنَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ رَافِضًا لِلْأُخْرَى فَلِهَذَا لَزِمَهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دَمٌ، وَإِنْ قَدِمَ الْحَاجُّ مَكَّةَ فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا حُكْمَ الْإِهْلَالِ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِيهِ إنْ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ بِالْأُخْرَى مَعًا؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ رَفَضَ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ، ثُمَّ قَضَاهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَمَعَهَا حَجَّةٌ فَهُوَ قَارِنٌ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ فَكَمَا أَنَّ كَوْنَ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْقِرَانِ فَكَذَلِكَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute