بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا فَإِنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَارِنِ إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ مُحْرِمًا فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ فَلِهَذَا كَانَ قَارِنًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَبَيْنَ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فِي حُكْمِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ الَّذِي قَدِمَ الْكُوفَةَ وَبَيَّنَّا الْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِمَ الْكُوفَةَ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرِنَ إذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ
(قَالَ): وَإِذَا قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ مَكَّةَ مُحْرِمَةً بِالْحَجِّ حَائِضًا مَضَتْ عَلَى حَجَّتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»، فَإِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَعَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الرُّخْصَةِ الْوَارِدَةِ لِلْحَائِضِ فِي ذَلِكَ
(قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ طَوَافُ الصَّدَرِ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ الَّذِينَ يَصْدُرُونَ عَنْ الْبَيْتِ بِالرُّجُوعِ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَاِتَّخَذَهَا دَارًا سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّدَرِ بَعْدَ حِلِّ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا جَاءَ وَقْتُ الصَّدَرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرَ الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ لَزِمَهُ بِمَجِيءِ وَقْتِ الصَّدَرِ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِنِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَلَا يَصِيرُ طَوَافُ الصَّدَرِ دَيْنًا عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ كَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ. فَأَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا أَخَذَ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ فِيهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَمَا اتَّخَذَهَا دَارًا لَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ يَقْصِدُ الْخُرُوجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute