كُلُّهُ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ دَبَّرَ هَذَا الْعَبْدَ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُعْتَقُ مِنْ الْآخَرِ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالتَّدْبِيرِ لَهُ وَإِقْرَارَهُ بِالْعِتْقِ فِي مَرَضِهِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَأَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الثَّانِي نِصْفُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِ الْوَارِثِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا، وَهُوَ يُنْكِرُ أُخِذَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ عَايَنَا إقْرَارَهُ بِذَلِكَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ كُلُّهُ يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ، وَالْقَوْلُ فِيمَا يُعَادُ، وَيُكَرَّرُ وَحُكْمُ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ وَاحِدٌ فِي حَقِّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فَهَذَا قِيَاسُهُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ كَذَا، وَكَذَا وَيُعْتَقُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ إنْ كَانَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا بِمِقْدَارِ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ عَنْ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ حَطَّ عَنْهُ ثُلُثَ الْمَالِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِمَا أَوْصَى بِهِ بِمَالٍ نَقَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ مِنْ مَعْلُومٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فَإِنْ حَطَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فِي قِيمَتِهِ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَنْفَعَةُ الْمُوصِي أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْوَلَاءُ، إنَّمَا جَعَلْنَا هَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ أَدَاءَ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَالِيَّةِ رَقَبَةٍ فِي تَوَفُّرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فَإِنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ يَسْلَمْ لَهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ أَعْتَقَ مَعَ هَذَا عَبْدًا عَلَى غَيْرِ جُعْلٍ بُدِئَ بِالْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، ثُمَّ أَعْتَقْنَا هَذَا الْآخَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ مَا نَفَذَ مِنْ الْعِتْقِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مُقَدَّمُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّنْفِيذِ وَمَا أَوْصَى بِهِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ فَلِهَذَا قَدَّمْنَا الْعِتْقَ الْمُنَفَّذَ فِي ثُلُثِهِ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَثَتَهُ سَنَةً، ثُمَّ يُعْتَقُ لَمْ يَجُزْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute