إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِلْعَبْدِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا، فَإِذَا بَطَلَتْ الْأُولَى لِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا.
فَإِذَا صَحَّتْ الْأُولَى بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُمْ كِبَارٌ يَجِبُ تَنْفِيذُ الْأُخْرَى جَزْمًا عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةً كَمَا أَوْصَى بِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَخْدُمَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ إيثَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَلَكِنَّهُ إيفَاءُ مَا كَانَ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْوَرَثَةِ إيَّاهُ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ خِدْمَتِهِ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثُ لَا يُرَدُّ لِكَرَاهَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ قِيلَ الْخِدْمَةُ لَا تُوَرَّثُ قُلْنَا نَعَمْ مَقْصُودًا وَلَكِنَّهَا تُوَرَّثُ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ صَارَتْ الرَّقَبَةُ مَعَ الْخِدْمَةِ مَمْلُوكَةً لَهُمْ إرْثًا عَلَى أَنْ يُعَادَ إلَى الْمَيِّتِ حُكْمًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِتَسْلِيمِ الْوَلَاءِ لَهُ، ثُمَّ مَقْصُودُ مَنْ كَرِهَ مِنْهُمْ إبْطَالَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَالْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَفُلَانٌ غَيْرُ وَارِثٌ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ وَصِيَّتَيْنِ تَصِحُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً فَيَصِحُّ تَرَتُّبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَيْضًا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْخِدْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ هَهُنَا تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ حَقُّ الرَّدِّ فِي الْمُوصَى بِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ بَعْدَ هَذَا.
وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى بِرَدِّهِ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُولَى، وَقَدْ فَاتَ شَرْطُهَا حِينَ رَدِّ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي فِي مُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ فَوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إذَا خَدَمَ فُلَانًا سَنَةً أَوْ إنْ خَدَمَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّ الشَّرْطَ يَفُوتُ بِمَوْتِ فُلَانٍ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا فَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَالْخِدْمَةُ تَكُونُ لَهُ مِنْ يَوْمِ قَدِمَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى ذَكَرَ سَنَةً مُنَكَّرَةً، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ الَّتِي تَعْقُبُ مَوْتَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُوصَى بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: يَخْدُمُ فُلَانًا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَقْدُمْ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَإِنَّهُ عَيَّنَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي السَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِمُضِيِّهَا، وَيَبْطُلُ الْعِتْقُ أَيْضًا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَلَوْ قَالَ: يَخْدُمُ فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَخْدُمُ فُلَانًا يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute