الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَخْدُمَهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ قَصْرُ يَدِ الْوَارِثِ عَنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لِمَكَانِ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ضِعْفُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَقُلْنَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ حَتَّى يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَيُتِمُّ بِهِ شَرْطَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فَيُعْتَقُ ثُلُثَهُ وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ وَرَثَتَهُ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَصَالَحُوهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ وَعَجَّلُوا عِتْقَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ، وَيُجْعَلُ وُصُولُ الْبَدَلِ إلَيْهِمْ كَوُصُولِ الْمُبْدَلِ بِأَنَّهُ يَخْدُمُهُمْ سَنَةً فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ، ثُمَّ هُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ عَنْ الْخِدْمَةِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ أَسْقَطُوهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَجَّلُوا الْعِتْقَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ وَلَائِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطُوهُ بِعِوَضٍ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا، وَأَغَلَّتْ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، وَتُعْتَقُ هِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ لَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَلَا إلَى الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ لَهُمَا فِيمَا هُوَ فَارِغٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا قَدْ تَقَرَّرَ، وَالْبَاقِي لِمِلْكِ الْمَيِّتِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّا نَجْعَلُهَا كَالْبَاقِيَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهَا، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْوَرَثَةِ، إنْ جَنَتْ جِنَايَةً فَذَلِكَ إلَى الْوَارِث إنْ شَاءَ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ، وَأَبْطَلَ الْعِتْقَ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهَا بِالْأَرْشِ، وَأَعْتَقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لَهَا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهَا دَفَعَ بِهِ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ مِلْكُ الْمَيِّتِ، إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَقَدْ طَهُرَتْ عَنْ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَتْ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَتْ، وَالْوَارِثُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْفِيذِ عِتْقِهِ، ثُمَّ عِتْقُهَا مُسْتَحَقٌّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا اُسْتُحِقَّ فِي عَيْنٍ بِجِهَةٍ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أُتِيَ بِهِ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ حِصَّةُ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ لِاحْتِبَاسِ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَتَّى نَفَذَ الْعِتْقُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ.
وَذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ فِيمَا هُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِذَا كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَحَدٍ إذَا كَانَ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَتِهِمْ فِي تَنْفِيذِ جَمِيعِ وَصِيَّةِ الْمُوصِي فِي الْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِهِ، إنْ دَبَّرَهَا وَارِثٌ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ، وَقَدْ يُوجَدُ الشَّرْطُ، إنْ لَمْ يَمُتْ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَدْبِيرَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي التَّدْبِيرِ تَنْفِيذُ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute