فِي التَّرِكَةِ، فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَرَثَةِ لِلتُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى وَارِثٍ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ.
وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَتَلَ الصَّبِيُّ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَصِيَّةً لَهُ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ مَا دَامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَلِهَذَا أَلْزَمُهُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، وَفِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بَعْدَ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتَيْنِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَهَذَا أَقْوَى، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا فِي الصَّبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لَمْ يَحْسِبْ لَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّتِهَا تَجُوزُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُوَقَّتًا وَلَا غَيْرَ مُوَقَّتٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ لَهُ بِإِيجَابِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَالْمَنْفَعَةُ وَالْغَلَّةُ الَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ وَبِإِيجَابِهِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَالْغَلَّةَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ بِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَنْفَعَةُ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَجْعَلُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ تَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِتَصَرُّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى حَاجَتِهِ، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَالْإِرْثُ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ بِدُونِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إيجَابُ مِلْكٍ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِيمَا أَبْقَى.
فَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute