للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْتَكَبَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَلَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِفَوَاتِ الْحَجِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَادَ لِلْقَضَاءِ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَانْعَدَمَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ

[جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ أَتَى وَقْتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ]

(قَالَ): وَكَذَلِكَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ أَتَى وَقْتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ وَقْتًا آخَرَ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ عِنْدَهُ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا: إنَّ مِنْ حَصَّلَ فِي مِيقَاتٍ فَإِحْرَامُهُ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ

(قَالَ): عَبْدٌ دَخَلَ مَكَّةَ مَعَ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ إذَا عَتَقَ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَلَكِنْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ يَدْخُلُ مَكَّةَ، ثُمَّ يُسْلِمُ، ثُمَّ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الصَّبِيُّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، ثُمَّ يَحْتَلِمُ بِمَكَّةَ فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الْوَقْتِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حِينَ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنَّ الْخِطَابَ بِالْإِحْرَامِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُمَا الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُمَا بِمَكَّةَ، وَمِيقَاتُ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ الْحَرَمُ، وَقَدْ أَحْرَمَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاك الْوَقْت وَأَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَوَصِيَّتُهُمَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُمَا الْحَجُّ قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُمَا بِهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَقِّهِمَا، وَالْوَقْتُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَانْعِدَامُ شَرْطِ الْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُمَا بِالْأَدَاءِ فِي وَقْتِهِ

(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْزِئُهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِي آخِرِهِ عِنْدَهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَيُجْعَلُ وَكَأَنَّهُ بَلَغَ قَبْلَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُنَا أَيْضًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَلَغَ قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الْإِحْرَامِ فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَهَذَا عَلَى أَصْلِكُمْ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَكُمْ مِنْ الشَّرَائِطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>