يُخَاصِمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَوَائِدَ الْحَدِيثِ.
وَإِذَا حَكَمَ الْحَكَمُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ تَخَاصَمُوا إلَى حَكَمٍ آخَرَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا سِوَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْأَوَّلِ، ثُمَّ ارْتَفَعَا إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ الْحُكْمَ الَّذِي يُوَافِقُ رَأْيَ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُلْزِمٍ شَيْئًا.
وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ حَكَمًا فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ فَتَجَاحَدَا وَقَالَا لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا وَقَالَ الْحَاكِمُ بَلْ حَكَمْتُ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْهُ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَهُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ بِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقِيَامِ فَهُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ.
وَهُوَ نَظِيرُ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَالْمُطَلِّقُ إذَا أَقَرَّ بِالرَّجْعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إذَا أَقَرَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَبَيْنَهُمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ حَكَّمَاهُ وَلَمْ يُشْهِدَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا إيَّاهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْحَكَمِ فِيهِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَيْهِمَا وِلَايَةَ تَنْفِيذِ الْقَوْلِ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا يَجْحَدَانِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[كِتَابُ الرَّهْنِ]
(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً): (اعْلَمْ) بِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ مَشْرُوعٍ لِلتَّوَثُّقِ فِي جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، فَالِاسْتِيفَاءُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ مُوجَبُهُ ثُبُوتَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِلْكُ عَيْنِ الْمُسْتَوْفَى، وَمِلْكُ الْيَدِ، فَمُوجَبُ الْعَقْدِ - الَّذِي هُوَ وَثِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ - بَعْضُ ذَلِكَ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ.
وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): مُوجَبُهُ مَا هُوَ مُوجَبُ سَائِرِ الْوَثَائِقِ كَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَهُوَ أَنْ تَزْدَادَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَيَثْبُتَ بِهِ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ، وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْكَفَالَةُ، وَالْحَوَالَةُ عَقْدُ وَثِيقَةِ مَا لَزِمَهُ، وَالذِّمَّةُ مَحِلٌّ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِهِمَا بَعْضَ مَا ثَبَتَ لِحَقِيقَةِ الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ، وَالرَّهْنُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ وَالْمَالُ مَحَلٌّ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ بَعْضُ مَا ثَبَتَ لِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ إلَّا بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ نَصًّا؟ وَكَمْ مِنْ رَهْنٍ يَنْفَكُّ عَنْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ مَا لَا يَخْلُو الْعَقْدُ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِهِ، ثُمَّ جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute