للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ قَطْعِ الْجَمِيعِ. فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ الْبَقَاءُ فَلَا تَتِمُّ الذَّكَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ، وَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ حَلَّ وَشُرِطَ ثَلَاثَةٌ فِيهَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَأَحَدُ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَرِيءَ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَبِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَسْيِيلِ الدَّمِ. فَأَمَّا قَطْعُ مَجْرَى النَّفَسِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ.

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ وَإِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجَسِ وَبِدُونِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ. قَالَ (وَإِذَا ذُبِحَتْ شَاةٌ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا فَقَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ) لِتَمَامِ فِعْلِ الذَّكَاةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَكْثَرِ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِالْجَرْحِ لَا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ وَيُكْرَهُ هَذَا الْفِعْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهَا بِسَيْفٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا حَلَّتْ وَيُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ حَلَّتْ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ بِأُضْحِيَّتِهِ الْقِبْلَةَ لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَهَا» وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ رُبَّمَا كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ بِذَبَائِحِهِمْ الْأَصْنَامَ فَأَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِتَعْظِيمِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنَّ تَرْكَهُ لَا يُفْسِدُ الذَّبِيحَةَ بِخِلَافِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ فِي التَّسْمِيَةِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ فَرْضٌ. فَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِتَعْظِيمِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِلْكَرَاهَةِ غَيْرَ مُفْسِدٍ لِلذَّبِيحَةِ.

[نَحَرَ الْبَقَرَةَ]

قَالَ (وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَةَ حَلَّتْ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرَةِ الذَّبْحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] (بِخِلَافِ الْإِبِلِ فَالسُّنَّةُ فِيهَا النَّحْرُ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّحْرِ مِنْ الْبَعِيرِ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَلْقِهِ عَلَيْهِ لَحْمٌ غَلِيظٌ فَكَانَ النَّحْرُ فِي الْإِبِلِ أَسْهَلَ. فَأَمَّا فِي الْبَقَرِ أَسْفَلَ الْحَلْقِ وَأَعْلَاهُ فَاللَّحْمُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْغَنَمِ فَالذَّبْحُ فِيهِ أَيْسَرُ وَالْمَقْصُودُ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَالْعُرُوقُ مِنْ أَسْفَلِ الْحَلْقِ إلَى أَعْلَاهُ فَالْمَقْصُودُ يَحِلُّ بِالْقَطْعِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْهُ؛ فَلِهَذَا حَلَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ»، وَلَكِنْ تَرْكُ الْأَسْهَلِ مَكْرُوهٌ فِي كُلِّ جِنْسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.

قَالَ (وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَاضْطَرَبَتْ فَوَقَعَتْ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَضُرَّهَا شَيْءٌ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الذَّكَاةِ قَدْ اسْتَقَرَّ فِيهَا فَإِنَّمَا انْزَهَقَ حَيَاتُهَا بِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>