لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ يَكُونُ نَمَاءَ بَذْرِهِ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا، فَقَالَ: قَدْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُؤَاجِرٌ لِلْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلَ الْعَامِلِ، وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ زَرْعًا وَلَا غَرْسًا، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الضَّرَرِ عَلَى الْأَرْضِ فَاحِشٌ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الْمُؤَاجِرُ لِأَرْضِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، فَإِنْ لَمْ يَتَفَاسَخَا حَتَّى زَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا، وَقَدْ أَجَّرَهَا إيَّاهُ سِنِينَ مُسَمَّاةً كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الْبَدَلِ فَيُجْعَلُ كَتَعَيُّنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَاتِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُبْسٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَرْكَبُهَا، وَلَا مَنْ يَلْبَسُهَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ: اسْتَأْجَرْتُكَ هَذِهِ السَّنَةَ تَزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ بِالنِّصْفِ جَازَ، وَالْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَمَا أَعْطَاهُ مِنْ حُبُوبٍ أَوْ رُطَبَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَهَا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِاسْتِئْجَارِهِ لِلزِّرَاعَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلزَّرْعِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا يَغْرِسُهُ فِيهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا إنَّمَا يُسَمَّى غِرَاسَةً، وَمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ عَمَلُ الْغِرَاسَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ عَشْرَ سِنِينَ بِالنِّصْفِ، فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَبَيْنَ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسَةِ تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَفَاسَخَا حَتَّى أَعْطَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرًا فَبَذَرَهُ، أَوْ غَرْسًا فَغَرَسَهُ، وَعَمِلَهُ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا اسْتِحْسَانًا، وَجُعِلَ التَّعْيِينُ فِي الِانْتِهَاءِ بِتَرَاضِيهِمَا، كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمُزَارَعَةِ فِيمَا شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: شَرَطْتُ لَك الثُّلُثَ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ: شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ بِالشَّرْطِ، فَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً فِيمَا شَرَطَ لَهُ، وَرَبُّ الْأَرْضِ يُنْكِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُزَارِعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ادَّعَى وَتَتَرَجَّحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute