للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ اشْتَرَطَهَا عَلَى الْعَامِلِ جَازَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدُّولَابِ لِلسَّقْيِ، كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ لِلْكِرَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، وَاشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الدَّوَابِّ لِلسَّقْيِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الدُّولَابَ وَالدَّوَابَّ عَلَى الْعَامِلِ، وَشَرَطَ عَلَفَ الدَّوَابِّ كَذَا مَخْتُومًا شَعِيرًا وَسَطًا كُلَّ شَهْرٍ وَكَذَا مِنْ الْقَتِّ وَكَذَا مِنْ التِّبْنِ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِعَلْفِ دَوَابِّ الْمُزَارِعِ يَكُونُ مَشْرُوطًا لِلْمُزَارِعِ، وَاشْتِرَاطُ شَيْءٍ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْمُزَارَعَةِ؛ فَإِنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهَا مَالٌ آخَرُ، فَإِنْ حَصَلَ الْخَارِجُ فَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَمِثْلِ مَا أَخَذَ مِنْ الْمُزَارِعِ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْقَتِّ وَالتِّبْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ذَلِكَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ؛ لِأَنَّ عَلْفَ دَوَابِّهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى صَاحِبِ الْعَمَلِ جَازَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْبَقَرِ لِلْكِرَابِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْبَقَرَ لِلْكِرَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الدُّولَابَ وَالدَّوَابَّ لِلسَّقْيِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَجِيرُهُ، فَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ؛ لِيُقِيمَ الْعَمَلَ بِأَدَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا اشْتَرَطَا الدَّوَابَّ وَالدُّولَابَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَفَ الدَّوَابِّ شَيْئًا مَعْرُوفًا عَلَى الْمُزَارِعِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى الْمُزَارِعِ عَلْفَ دَوَابِّ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ طَعَامَ غُلَامِهِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ سَمَّى طَعَامًا مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاشْتِرَاطِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا الدَّوَابَّ وَالدُّولَابَ عَلَى الْمُزَارِعِ وَعَلْفَ الدَّوَابِّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضَ وَلَوْ اشْتَرَطَا الدَّابَّةَ وَعَلْفَهَا عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالدُّولَابَ عَلَى الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ عَلْفَ الدَّابَّةِ مَشْرُوطٌ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ اشْتِرَاطُ الدَّوَابِّ وَالدُّولَابِ عَلَى أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ أَيَّهمَا كَانَ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ يَكُونُ صَحِيحًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمُزَارَعَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُعَامَلَةُ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) -: وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ مُزَارَعَةً، وَفِيهَا نَخِيلٌ عَلَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>