وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِذَا كَانَ ظُهُورُ هَذَا بَعْدَ الرَّجْمِ فَدِيَةُ الْمَرْجُومِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ الْإِمَامِ فِي عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ اللَّهِ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْإِمَامُ فِي هَذَا عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَطْهِيرُ دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ فِيهَا فَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ كَانَ خَصْمًا وَفِيمَا هُوَ خَصْمٌ لَا يَكُونُ قَاضِيًا كَمَا فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ قُلْنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ فَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْمَالِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ
(قَالَ) فَإِنْ رَجَمَهُ الْإِمَامُ بِشَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُمْ فَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةَ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ فِي شَهَادَتِهِ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ، وَلِهَذَا يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِظُهُورِ فِسْقِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا تَابُوا، وَهَذَا ضَعِيفٌ فَالْكُفَّارُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَسْلَمُوا وَالْعَبِيدُ إذَا أُعْتِقُوا، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قُلْنَا
[وُجِدَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا بَعْدَ مَا رُجِمَ]
(قَالَ) فَإِنْ وُجِدَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا بَعْدَ مَا رُجِمَ فَعَلَى الشُّهُودِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الزِّنَا فَكَيْف يَزْنِي، وَظُهُورُ كَذِبِهِمْ هُنَا فَوْقَ ظُهُورِ كَذِبِهِمْ فِيمَا إذَا رَجَعُوا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِمْ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ قَدْ يُصَدَّقُ، وَلَكِنْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ فَكَانَ خَطَأً مِنْ الْإِمَامِ فَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَنَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا بَعْدَ الرَّجْمِ، وَقُلْنَ هِيَ عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ بِقَوْلِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً تَامَّةً فِي إلْزَامِ ضَمَانِ الْمَالِ وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى إيجَابِ ضَمَانِ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْجَبِّ فَذَلِكَ مُعَايَنٌ يُتَيَقَّنُ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ قَوْلِ النِّسَاءِ، لَكِنْ إنْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ وَقُلْنَ هِيَ عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ يُدْرَأُ عَنْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَتَمَكَّنُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَلَا شُبْهَةَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا فَمَعَ الرَّتْقِ لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَبَعْدَ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْعُذْرَةِ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ عَمُوا أَوْ ارْتَدُّوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ ضُرِبُوا حَدَّ الْقَذْفِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يُرْجَمْ، أَمَّا مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالشَّهَادَةِ مَنَعَتْهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً، فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَتْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ مِمَّا يَنْدَرِئُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute