للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِكْرَاهُهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حُكْمِ الْإِتْلَافِ صَارَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَيْدٍ، أَوْ حَبْسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ، وَإِنَّمَا الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ بِمَنْزِلَةِ الْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَالْوَكَالَةُ بِذَلِكَ، وَالْأَمْرُ بِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا كُلِّهِ تَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَمَعَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا، ثُمَّ، أَوْضَحَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ، وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَ مَالًا، فَدَفَعَهُ إلَى عَبْدٍ آخَرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِي، ثُمَّ يَرْجِعَ مَوْلَاهُ بِمَا ضَمِنَ فِي رَقَبَةِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لِمُولَى الْآخَرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ أَمْرِهِ، وَلَمْ يُسْقِطْ اعْتِبَارَ دَفْعِهِ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ يُسْقِطُ اعْتِبَارَ أَمْرِهِ، وَلَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَ دَفْعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ التَّلْجِئَةِ.]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُلْجِئَ إلَيْكَ عَبْدِي هَذَا فَأَبِيعُكَهُ تَلْجِئَةً، وَبَاطِلًا، وَلَيْسَ بِشِرَاءٍ، وَاجِبٍ لِشَيْءِ أَخَافُهُ، فَقَالَ: نَعَمْ وَحَضَرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ شُهُودٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَدْ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمَا، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّلْجِئَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهَزْلِ، وَالْهَزْلُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَلَامِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْهَازِلُ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْحُكْمِ، وَلَا رَاضِيًا بِهِ، وَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلسَّبَبِ لِغَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ السَّبَبُ، فَالْمُلْجِئُ أَيْضًا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلسَّبَبِ لِغَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ السَّبَبُ، وَلَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْحُكْمِ، وَلَا رَاضِيًا بِهِ.

فَلَا يَمْنَعُ الْهَزْلُ، وَالتَّلْجِئَةُ انْعِقَادَ السَّبَبِ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ لِمَا لَمْ يَنْعَدِمْ هَذَا الْوَصْفُ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا أَبَدًا يَكُونُ مُنْعَقِدًا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ لَهُمَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ: إنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا بَنَيَا عَلَى تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا يَعْزِلَانِهِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا الْجِدَّ وَهَذَا نَاسِخٌ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهَا، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَفِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ: وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ مُطْلَقَ فِعْلِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَمَا يَحِلُّ شَرْعًا، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَجِبُ - حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>