للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ امْرَأَةَ زَيْدٍ بَعْدَ مَا فَارَقَهَا»، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٤٠] فَالْمُرَادُ بِالتَّقْيِيدِ نَفْيُ حُرْمَةِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ التَّبَنِّي ثُمَّ تَحْرِيمُ حَلِيلَةِ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ثَبَتَ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: ٢٣]، فَإِنَّ ابْنَ ابْنِهِ لَيْسَ مِنْ صُلْبِهِ؟

قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ صُلْبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [غافر: ٦٧] وَالْمَخْلُوقُ مِنْ التُّرَابِ هُوَ الْأَصْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَفْسِيرِ لَبَنِ الْفَحْلِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْفُصُولِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ أَيْضًا، فَلِهَذَا لَمْ تُسْتَقْصَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ تَفْسِيرِ لَبَنِ الْفَحْلِ]

بَابُ تَفْسِيرِ لَبَنِ الْفَحْلِ (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَمَتَانِ قَدْ وَلَدَتَا مِنْهُ فَتُرْضِعُ إحْدَاهُمَا صَبِيًّا وَالْأُخْرَى صَبِيَّةً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ تَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ لِأَبٍ مِنْ الرَّضَاعِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا تَثْبُتُ فَقَالُوا حُرْمَةُ الرَّضَاعِ إنَّمَا تَثْبُتُ مِنْ جَانِبِ الْآبَاءِ فَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ صَغِيرَانِ عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ لَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الْأُخُوَّةُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرْضَاعُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْبَعْضِيَّةِ تُشْبِهُ حُرْمَةَ اللَّبَنِ لِقُرْبِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ

وَلَوْ بَاشَرَ الرَّجُلُ الْإِرْضَاعَ بِأَنْ نَزَلَ اللَّبَنُ فِي ثَنْدُوَتِهِ فَأَرْضَعَ صَبِيَّيْنِ لَا تَثْبُتُ الْأُخُوَّةُ بَيْنَهُمَا فَبِإِرْضَاعِ غَيْرِهِ كَيْفَ تَثْبُتُ الْأُخُوَّةُ فِي جَانِبِهِ

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ أَفْلَحَ بْنَ أَبِي قُعَيْسٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِيَلِجَ أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ فَقَالَ لِيَلِجَ عَلَيْك أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ»، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا فَسَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ مَا أَحْسِبُهُ إلَّا بداح عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فُلَانٌ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ حَيًّا أَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَقَالَ نَعَمْ»، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الرَّضَاعَةَ بِالنَّسَبِ وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ تَثْبُتُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>