الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ».
وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ، يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ أَرْطَابًا، فَقَالَ: ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ.
فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ يَقْصِدُونَ بِهِ اسْتِنْمَاءَ الْمَالِ.
وَلَوْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَقَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ. فَأَخَذَ الْمُضَارِبُ نَخْلًا وَشَجَرًا وَأَرْطَابًا مُعَامَلَةً، عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ بَعْدُ مِنْ ذَلِكَ، فَنِصْفُهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ، وَنِصْفُ الْمُضَارِبِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَعَمِلَ، وَأَنْفَقَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ
، فَإِنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ صَاحِبِ النَّخْلِ وَالْمُضَارِبِ نِصْفَيْنِ، وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، وَفِي عَقْدِ الْمُعَامَلَةِ الْعَامِلُ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ، وَصَاحِبُ الْمَالِ إنَّمَا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ يَدِهِ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ بِإِقَامَتِهِ الْعَمَلَ بِمَنَافِعِهِ، تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَالنَّفَقَةُ الَّتِي أَنْفَقَهَا مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَنْفَقَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ، عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا طَعَامًا، فَمَا خَرَجَ مِنْهَا، فَنِصْفُهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَنِصْفُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَاشْتَرَى طَعَامًا بِبَعْضِ الْمَالِ فَزَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَنْفَقَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ، فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ الْأَرْضَ بِنِصْفِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ مِنْهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِذَلِكَ، وَتَصَرُّفُهُ هُنَا فِي الْمَالِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْخَارِجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بِمَا بَذَرَهُ، وَالْبَذْرُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَنِصْفُهُ يُبَاعُ.
يَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ، فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْإِشْرَاكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِهِ بَعْضَ الْمَالِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا صَارَ مُخَالِفًا بِتَصَرُّفِهِ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مِلْكُ الْمَضْمُونِ بِهِ، فَمَا خَرَجَ مِنْ الزَّرْعِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ نِصْفَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمُرَابَحَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ]
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ بَعْضِ مَسَائِلِ الْبَابِ فِي الْبُيُوعِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَلْحَقُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، بِخِلَافِ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute