للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ مَتَى يَجِبُ لِلْعَامِلِ الْأَجْرُ]

(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ ضَامِنٌ إلَّا إذَا تَلِفَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْحَرْقِ الْغَالِبِ) وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي كُلِّ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي حِفْظِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ وَالْمُشْتَرَكُ مَنْ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِالْعَمَلِ وَيَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يُسَمَّى مُشْتَرَكًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَجِيرَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْبَدَلَ بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِ حَتَّى إذَا سَلَّمَ النَّفْسَ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ خَالَفَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ فَكَانَ ضَامِنًا كَمَا إذَا دَقَّ الثَّوْبَ وَتَخَرَّقَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حِفْظًا سَلِيمًا فَإِذَا سُرِقَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْحِفْظِ السَّلِيمِ فَكَانَ مُخَالِفًا مُوجِبَ الْعَقْدِ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّقِّ فَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وُفِّيَ سَلِيمًا عَنْ عَيْبِ التَّخَرُّقَ فَإِذَا تَخَرَّقَ كَانَ ضَامِنًا وَهَذَا فِي الْأَجِيرِ بِالْحِفْظِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَصَّارِ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى إقَامَةِ الْعَمَلِ إلَّا بِالْحِفْظِ، وَالْعَمَلُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمُسْتَحَقِّ إلَّا بِهِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا

وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْمُعَاوَضَةِ السَّلِيمُ دُونَ الْمَعِيبِ وَالْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ الْحِفْظِ هُنَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ تُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ السَّلَامَةِ كَأَوْصَافِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَكُونُ عَفْوًا كَمَا فِي السِّرَايَةِ فِي حَقِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ عَفْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِمَنْفَعَتِهِ وَهُوَ إقَامَةُ الْعَمَلِ لَهُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمُودِعِ وَأَجِيرِ الْوَاحِدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانَ عَقْدٍ، أَوْ ضَمَانَ جُبْرَانٍ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الْعَمَلِ لَا عَلَى الْعَيْنِ فَلَا تَصِيرُ الْعَيْنُ بِهِ مَضْمُونَةً وَالْجُبْرَانُ لِلْفَوَاتِ وَهُوَ مَا فَوَّتَ عَلَى الْمَالِكِ شَيْئًا حِينَ قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ أَجِيرُ الْوَاحِدِ، فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرَكُ وَهُمَا يَقُولَانِ يُسْتَحْسَنُ فَنُضَمِّنُ الْمُشْتَرَكَ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الْخَاصِّ فَالْعَيْنُ هُنَاكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْخَاصِّ يَعْمَلُ لَهُ فِي بَيْتِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ عَنْ الْعَيْبِ وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذَا نَظَرٌ فِيهِ ضَرَرٌ فِي حَقِّ الْأَجِيرِ وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَنَظَرُ الشَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>